مشروع قانون المحاماة الجديد المؤرخ في مارس 2010 محل الاحتجاجات الأخيرة التي لوحت بالإضراب لولا تبني الحكمة من قبل أصحاب الجبة السوداء و وزارة العدل باعتماد آلية الحوار الصريح ، الشفاف و البناء، فمشروع القانون فيه ما يعاب عليه وما يُبرر موقف النقباء وعمداء المحامين ، و خطوة إصلاح محتواه بما يتناسب و ما يُمكن أن ينتظر من قانون محاماة في مستوى تطلعات كل طرف وضمن فلسفة حق الدفاع ، لازالت الظروف ممكنة لاستدراك نقائصه ما دام لم يطرح بعد للمناقشة والتصويت عليه أمام المجلس الشعبي الوطني على اعتبار أنه بعد عرضه على مجلس الحكومة ثم مجلس الوزراء و من تم البرلمان ، كقانونيين لا يمكننا المطالبة إلا في نطاق الحدود و الآليات التي يمنحها لنا القانون. و تقييد النص الجديد في المادة 26 للمحامين الجامعيين بإطار التعاقد لا معنى له ، سوى غلق الباب أمام المحامين الجامعيين من التدريس في الجامعات و المدارس العليا أو طريق غير مباشر لطردهم من المحاماة و حملهم على البقاء في الجامعات و المدارس العليا ، لأن المحامي الأستاذ الجامعي هو في الواقع موظف وأحكام الأمر 0306 المؤرخ في 20060715 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية في الجزائر في مادته 44 تسمح له بممارسة المحاماة باعتبارها نشاط مربح في إطار خاص يوافق تخصص أستاذ التعليم العالي و الباحث ، و بالتالي لا معنى لتقييد مشروع قانون المحاماة الجديد للمحامين في وظائف التدريس بقيد التعاقد بدل الترسيم الوظيفي و بقيد الحصول على الدكتوراه فقط و استبعاد مباشر لأجيال الشباب حاملي شهادات الماجستير والماستر 02 لأن ظاهر النص هو إخراج الكفاءات الجامعية من مهنة المحاماة في الجزائر، ولعل هذا غير مقصود إنما سهو و غلط واقع في المشروع فوجب التنبيه إليه حتى لا يقع التعويل عليه. و إذا كان لابد من إعطاء قيمة خاصة لشهادات الجامعية بالنسبة للمحامين ، فيمكن تخصيص مادة خاصة تمنح امتياز تخفيض مدة الاعتماد لدى المحكمة العليا إلى نصف المدة المنوه عنها بالمادة 50 من المشروع لحاملي شهادات ما بعد التدرج في القانون، و هذا بغرض تحفيز المحامين على الدراسات العليا فيصبح لدينا محامون معتمدون لدى المحكمة العليا بشهادات جامعية عليا مما عساه يُنتج مذكرات طعون بالنقض راقية جدا تنتج بدورها اجتهاد قضائي راقي و تصنع فقه قانوني مرجعي ، بدل اعتماد فقط عنصر الأقدمية الذي غالبا ما ينتج تصحر فكري و جمود و ربما عقدة صراع أجيال و الله سبحانه و تعالى الأعلم بعباده من أنفسهم قال وقوله الحق: ( ومن نُعمره ننكسه في الخَلق) الآية ، فالأقدمية دون تكوين مستمر و دون تحيين معلومات لا تنتج أبدا عبقريات، و من تم أحكام المادة 26 من المشروع تقتضي المراجعة و المناقشة العميقة مع اعتماد معيار القانون المقارن في مختلف الدول و الأنظمة القضائية ، حتى نستفيد من أحسن تجارب الدول والمجتمعات التي سبقتنا في هذا الإطار. الالتحاق بالمهنة و شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة: نصت المادة 34 من المشروع على أنه يُعفى من شهادة الكفاءة المهنية لمهنة المحاماة 03 أصناف من الناس: - القضاة الذين لهم أقدمية 15 سنة على الأقل وهذا تشديد لا معنى له، فإذا كانت الكفاءة المهنية للمحاماة سنة واحدة نظرية بعد تكوين التدرج الجامعي في القانون فإن القاضي يكون قد درس نفس التدرج الجامعي للمحامي بل وزاد عليه 03 سنوات تكوين خاص بالمدرسة العليا للقضاء وطالما أنه حين يلتحق بممارسة مهنة القضاء يلتزم بالممارسة الفعلية 10 سنوات كاملة على الأقل لا يستقيل قبل تمامها، فقد كان يكفي إعفاء القاضي الذي له أقدمية 10 سنوات خدمة فعلية من شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة بدل اشتراط 15 سنة كاملة من غير معنى. - الحائزون على شهادة الدكتوراه أو دكتوراه دولة في القانون. - أساتذة كليات الحقوق الحائزين على شهادة الماجستير في الحقوق أو ما يُعادلها الممارسين لمدة 10 سنوات على الأقل (؟)، وهذا أيضا لا معنى له !! طالما أن قوانين التعليم العالي في الجزائر منذ 1998 بعد الحصول على الماجستير في القانون و التسجيل في الدكتوراه توجب إتمام و مناقشة أطروحة الدكتوراه في مدة أقصاها 06 سنوات، و بالتالي لا معنى لاشتراط 10 سنوات على الأقل، فلابد من تحيين مشروع قانون المحاماة مع باقي قوانين الجمهورية مراعاة لمبدأ التكامل و تفاديا للتعارض بين التشريعات و حتى لا يكون شرط 10 سنوات بلا معنى. تمثيل الأطراف أمام الجهات القضائية: في الوقت الذي نجد في قوانين المحاماة العربية تطور علمي على أساس اشتراط الكفاءة و المؤهلات في تمثيل المحامي الأطراف أمام جهات الاستئناف و النقض نجد عندنا تراجع عن اعتبار معيار الكفاءة والنزاهة و الالتزام ، فنجد المادة 39 من قانون المحاماة المصري مثلا تشترط لقبول طلب القيد بجدول المحامين أمام محكمة النقض أن يكون طالب القيد من الفئات التالية: 01 المحامون المقبولون أمام محاكم الاستئناف الذين يكون قد مضى على اشتغالهم بالمحاماة فعلا أمام هذه المحاكم 10 سنوات على الأقل و كانت لهم أبحاث أو مذكرات أو فتاوى قانونية مبتكرة. 02 الشاغلون لوظيفة أستاذ في مادة القانون بالجامعات المصرية. 03 المستشارون السابقون بالمحاكم و ما يعادلها من وظائف الهيئات القضائية. بينما نجد عندنا في الجزائر في مشروع قانون المحاماة الجديد في المادتين 49 و 50 معيار واحد و وحيد هو معيار الأقدمية لا غير، فنجد أن المحامي لا يرافع أمام المجالس القضائية والمحاكم الإدارية و محاكم الجنايات والجهات القضائية ذات الاختصاص الموسع إلا بعد 07 سنوات ابتداء من تاريخ الحصول على شهادة نهاية التربص ( أي بعد 02 سنتين تربص) و يعتمد أمام المحكمة العليا و مجلس الدولة بمجرد قرار إداري مركزي من معالي وزير العدل بدون وجود لجنة قبول كما هو الحال في كثير من الدول و دون أي اختبار علمي أو عملي، المحامون الذين أثبتوا ممارسة فعلية لمدة 07 سنوات على مستوى المجالس القضائية أو المحاكم الإدارية أي بمجموع 020707 = 16 سنة منذ أداء اليمين القانونية للمحاماة خلافا لأجل 10 سنوات ممارسة فعلية المقررة في المادة 113 من قانون المحاماة الساري المفعول 0491 والحقيقة لا مبرر للرفع من المدة طالما لا توجد أي معايير علمية للاعتماد، فبعد 16 سنة تكون خلايا المخ بدأت تضعف إذا لم يصل المرء مرحلة الشيخوخة المبكرة أو ربما الخرف ، فوجب دراسة أمن النصوص القانونية أي قابليتها للنفاذ و فاعليتها من باب النظرة الإستراتيجية والاستشراف على سبيل النظر في مآلات أحكام القانون الجديد و ليس الاكتفاء بصياغة نصوص اليوم تظهر سلبياتها غدا بعد دخولها حيز التنفيذ كما حدث مع قانون الإجراءات المدنية و الإدارية 0908 المؤرخ في 2008/02/25 و الذي سنخصص له دراسة مستقلة في وقت لاحق إن شاء الله. ثم ليس من المنطق و لا من المعقول أنه لا يُسمح للمحامي الترافع أمام محكمة الجنايات إلا بعد 07 سنوات ممارسة ابتداء من تاريخ الحصول على شهادة نهاية التربص المقدرة فترته في المشروع بسنتين (2) ، أي بعد 09 سنوات كاملة من الحصول على شهادة الليسانس في الحقوق، بينما نجد في قانون الإجراءات الجزائية المادة 271 المعدلة والمتممة بالقانون رقم:82-03 المؤرخ في 1982/02/13 تجيز لرئيس محكمة الجنايات بصفة استثنائية الترخيص للمتهم أن يعهد بالدفاع عنه لأحد أقاربه أو أصدقائه ، بدون اشتراط أي مؤهلات خاصة! فكيف يُمنع المحامي من الترافع أمام الجنايات ما لم يكن حائزا للأقدمية المذكورة والشهادات و في ذات الوقت يُمكن أن يُسمح لمواطن عادي أن يُدافع عن قريبه المتهم في الجنايات بدون أي مؤهلات؟ مما يجعلنا نقول أن اشتراط 07 سنوات ممارسة في المحاماة ابتداء من تاريخ نهاية التربص لا معنى له ، وأن القوانين حين تعديلها يتعين مراعاة مطابقتها مع المنظومة التشريعية في الجزائر بوجه عام، حتى لا تتعارض النصوص حين التطبيق. نظام المحاماة بأجر: وهذا نظام جديد نص عليه المشروع في المواد من 78 إلى 83 بشكل غريب غير مستحسن يختلف عن مثيله في النظام الفرنسي، إذ سمح للمحامي المسجل بالجدول أن يمارس بموجب عقد مهامه في إطار نظام الأجر لدى مكاتب المحاماة !! و يجب أن يكون عقد العمل مطابقا لتشريع العمل (؟) و لهذا القانون ولتقاليد المهنة (؟) ، فماذا عساه يكون المقصود من مطابقة عقد المحامي الأجير لتشريع العمل ؟ هل يخضع لإجراءات مكاتب المصالحة و المنازعة أمام القسم الاجتماعي و يعتبر محامي عامل ، ينجز الملفات باسم المستخدم و لصالحه فقط ؟ فكيف يكون محاميا إذن أم يمسك قضايا باسمه ؟ و هذا غير وارد لأن المادة 79 تمنع المحامي الأجير أن يكون لديه موكلين خاصين به !! و هذا امتهان للمحامي و خلق صنف محامي من الدرجة الثانية لا يليق بكرامة الدفاع و حتى في فرنسا لا تطبق نفس الأحكام ، فعن أي مرجعية تم نقل هذه المواد ؟؟ ثم لا توجد تقاليد لمهنة المحاماة في الجزائر بصدد نظام المحاماة بأجر مما يجعل ما ورد في المادة 78 بدون موضوع. كما أن المادة 83 بنصها على أنه تعرض النزاعات الناشئة عن عقد العمل على النقيب للتحكيم دون بيان إجراءات التحكيم و معاييره و تكون قراراته قابلة للاستئناف أمام مجلس الاتحاد، دون بيان كيف يفصل مجلس الاتحاد فيها و بأي صفة و بأي إجراءات و بأي آجال و ما دور القضاء حال فصل مجلس الاتحاد طالما أن المادة 105 من المشروع نصت على أنه يفصل نهائيا في النزاعات المتعلقة بعقود العمل للمحامين الأجراء دون تقييد بآجال فصل و لا إجراءات خاصة، و ما معنى أن يكون عقد عمل المحامي مطابقا لتشريع العمل و لا يكون للقضاء في الفصل في منازعاته أي دور؟؟. مجلس التأديب: هذا السلاح الخطير بيد منظمات المحامين الذي يساء استغلاله في كثير من الأحيان لتصفية حسابات ضيقة و تصفية خصوم انتخابيين غالبا ، يتم فيه خرق القانون و خنق حقوق الدفاع باسم الدفاع وتجاوز وزارة العدل التي جرت عادتها على موقف الحياد في قضايا المحامين ففي المادة 124 الفقرة 05 من المشروع ورد النص على أنه في غير حالة المتابعة الجزائية يجب الفصل في الدعوى التأديبية في أجل أقصاه 06 أشهر من تاريخ التوقيف و إلا رفع إجراء التوقيف تلقائيا، و في هذا تراجع عن مكتسبات أحكام الفقرة 02 من المادة 56 من قانون المحاماة 0491 التي توجب على النقيب عرض قرار التوقيف على مجلس منظمة المحامين الذي ينبغي عليه أن يباشر في تصحيح أو رفع إجراء التوقيف خلال شهر الأمر بالتوقيف ، و ليس 06 أشهر، لأن مدة 06 أشهر في النص الجديد تفتح باب التعسف لدى بعض النقباء بالتوقيف التعسفي الذي لا تترتب عنه أية مسؤولية و هذا لا يخدم لا المهنة و لا تقاليدها و لا العدل و لا دولة الحق و القانون. والملاحظ هو غياب نصوص قانونية تفصيلية بشأن تأديب نقباء المحامين عند ارتكاب تجاوزات ، ففي القانون القديم الساري المفعول 0491 توجد مادة واحدة ووحيدة هي المادة 48 و في النظام الداخلي مادة واحدة كذلك هي المادة 124 و كلاهما معطل و في المشروع مادة واحدة كذلك هي المادة 115 و التي لن يكون مصيرها أفضل من مصير سابقاتها ، فحتى نضمن للمحاماة مستقبل مشرق كمهنة نبيلة للدفاع عن الحقوق لابد من غلق باب التعسفات التي يمكن أن تصدر عن بعض النقباء الذين يرفضون حتى التأشير بالاستلام على أي تقارير أو مذكرات يتم إيداعها لدى أمانات منظماتهم ، فما أكثر الحوادث التي وقعت من خلال بعض النقباء الذين يعاقبون محامين من غير جريرة ظلما و عدوانا وتصفية حسابات في بعض الأحيان في طعن المحامون المعاقبون أمام اللجنة الوطنية للطعن بالمحكمة العليا التي بسبب كثرة مهامها قد يتأخر فصلها في القضايا عن الآجال المقررة للفصل، و حين تقضي بالبراءة تُرمى قراراتها على الأرض و يُضرب بها عرض الحائط و يجد المحامي المبرأ نفسه متحصلا على براءة مع وقف التنفيذ بسبب تعسفات النقيب المعني ، فهذه ثغرة قانونية كبيرة يجب أن تُسد بتحديد آليات تبليغ قرارات اللجنة الوطنية للطعن وجميع المراسلات بين النقابة و المحامين تحيدا للمسؤوليات، حتى يكون القانون فوق الجميع سواء تعلق الأمر بمحامي أو بنقيب محامين أو برئيس الإتحاد الوطني للمحامين، كل ذلك من أجل نبل المهنة و كرامة المحامي و حق المتقاضي في دفاع كفء و قوي. وهذه الفراغات المتعلقة بتجاوزات بعض النقباء التي شهدت الساحة الوطنية نماذج منها تدعونا في حقيقة الأمر إلى التفكير في تحالف وطني للمحامين من أجل مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة ولما لا جعل الاختصاص بتأديب المحامين أو نقباء المحامين على الأقل لمحاكم تأديبية بقضاء مجلس الدولة بتشكيلة قضائية بحتة أو مختلطة مثل اللجنة الوطنية للطعن و جعل لمعالي وزير العدل رقابة ودور إيجابي لما يحدث في الجمعيات العامة بصدد التقارير الأدبية و المالية ومداولات الجمعيات العامة و في المجالس التأديبية و إلا لا داعي لإبلاغه أصلا بمداولات هذه الجمعيات و لا بقرارات المجالس التأديبية والطعن فيها إن لم يكن له دور إيجابي في القانون، حتى لا يتم الالتواء على النصوص لقمع الإحساس بالعدل في النفوس من طرف بعض النقباء ممن يسئ للمهنة و لمجموع النقباء ، لذلك وجب ربما التفكير كذلك في مدونة قواعد السلوك المهني للمحامين وأخلاقيات مهنة المحاماة تناقشها القاعدة الواسعة من المحامين ، على غرار ما تم اعتماده في مداولة المجلس الأعلى للقضاء المجتمع في دورته العادية الثانية في 2006/12/23 المتضمنة مدونة أخلاقيات مهنة القضاة في الجزائر، و لعلنا بهذا قد نصل إلى دولة الحق و القانون، و يبقى إنجاح الإصلاحات مُهمة الجميع كلٌ في موقعه، من أجل أن تكون الجزائر دولة مؤسسات ومن أجل جزائر أفضل. ¯ انتهى