يواصل الأفلان سعيه لرأب الصدع وتجاوز الخلافات التي عصفت به وشتت صفوفه منذ مدة، فالانجاز الذي تحقق بفضل الاحتكام إلى الصندوق والالتزام بقواعد الممارسة الديمقراطية، سيتواصل من دون أدنى شك لاختيار أمين عام جديد يتكلف بمهمة قيادة سفينة الجبهة حتى ترسوا على بر أمن، وتفوت الفرصة على كل الحالمين بجر الأفلان إلى متحف التاريخ وإنهاء وجوده في الساحة السياسية. انتقل المجاهد عبد الرزاق بوحارة إلى جوار ربه، وخطفه الموت فجأة في وقت كانت الأنظار موجهة نحوه لقيادة سفينة حزب جبهة التحرير الوطني إلى بر الأمان، بوحارة المجاهد والعسكري الشهم، والسياسي صاحب المبادئ ورجل المبادرات الذي لا يكل ولا يمل كما يصفه المقرون منه، منح كل حياته لخدمة الجزائر، ولم يكن ليطرح اسمه هكذا لقيادة الحزب العتيد لولا الخصال التي يتمتع بها في قيادة الرجل، فبوحارة لم يكن من الذين يجيدون العمل في الكواليس بالقدر الذي كان من طينة أولائك الرجال الذين يواجهون خصومهم السياسيين بالأفكار والبرامج، فكان في تقدير الأغلبية الساحقة المؤهل أكثر لمنصب أمين عام الجبهة بعدما فصل الصندوق بشكل ديمقراطي شفاف في الخلاف الذي سيطر على الحزب وشتت صفوفه. رحيل بوحارة ترك الأبواب مشرعة في الأفلان على سؤال كبير هو من هي الشخصية القادرة على قيادة سفينة الجبهة لتجنيبها الأمواج المتلاطمة، وما السبيل إلى اختيار هذه الشخصية في ظل إصرار البعض على مبدأ التوافق، ودفاع البعض الآخر على ضرورة الاحتكام مرة أخرى إلى الصندوق، فالجبهة أضحت بحاجة ماسة في الظرف الحالي إلى رجل قادر على أن يحافظ على روحها، ويضمن وحدة صفها، ويجنبها مهالك الفتنة التي تتربص بها من كل جانب، وقد لا تكون هذه الشخصية من فئة الشخصيات الثقيلة المعروفة، فالاختيار قد يقع ربما على اسم من الأسماء الأقل تداولا ما دام الهدف الرئيس هو إنجاح المصالحة بين أبناء الجبهة، واستكمال الطريق بعيدا عن الخصومات الحقيقية أو المفتعلة والتي قد يربطها البعض باستحقاقات انتخابية مستقبلية، قيل بأنها المحرك الحقيقي لكل ما يجري داخل جبهة التحرير الوطني من جدل ومن خلافات حول منصب القيادة، وليس حول خط السير الذي هو معروف ويتفق بخصوصه الجميع. لقد قرر المكتب السياسي الذي التأم الخميس الماضي برئاسة منسقه عبد الرحمان بلعياط الاستمرار في تنظيم لقاءات بين أعضائه من أجل توفير الشروط المطلوبة لاجتماع اللجنة المركزية للحزب التي سوف تحسم في مسألة اختيار أمين عام الأفلان الجديد، وقد يرى البعض في قرار المكتب السياسي دليل على استمرار حالة الانسداد داخل الجبهة، مع هذا لابد من الإشارة إلى أن حزب في مستوى الأفلان لا يسير بالطرق الارتجالية، ولا يحسم في القضايا الكبرى حسب نفحات البعض ورغبات البعض الأخر، فاختيار أمين عام جديد للحزب يتطلب عقد اجتماع للجنة المركزية، وقبل هذا فتح نقاش موسع، وترك الأبواب مشرعة أمام فرص التشاور، فالأمين العام الجديد عليه أولا أن يطوي الخلافات وأن ينهي حالة الانقسام، وأن يقود الجبهة نحو مرحلة جديدة، فالأفلان هو حزب يتصدر المشهد السياسي، وما تنتظره البلاد من هذا الحزب يتجاوز أحيانا مدارك بعض المتلهفين على قبره في متحف التاريخ، فالأفلان يرمز أولا لتاريخ امة، ويرمز ثانيا إلى تلك القوة التي تملك وسائل جمع الجزائريين بفضل الوسطية والاعتدال وبفضل أيضا التشبث بقيم وثوابت هذا الوطن. وتعتبر الفضيحة الثانية التي هزت مؤخرا سوناطراك أحد ابرز القضايا التي شدت إليها الاهتمام خلال الأسبوع المنصرم، ويتقاسم رجل الشارع البسيط مع الأكاديمي والإعلامي والمحلل نفس الاهتمام بما يجري من هرج ومرج بخصوص ثروة النفط في الجزائر، فمن جهة حديث للمختصين وتكهنات حول قرب نهاية هذه الثروة بعد عقد أو عقدين، وتشير الدراسات الأكثر تشاؤمنا إلى أن الجزائر قد تصبح دون بترول في المستقبل القريب، وهذا معناه أن مداخيل البلاد سوف تتراجع إلى حدود ربما لا يقدر على استيعابها أي عاقل، وقد يصبح دخل البلاد من العملة الصعبة يساوي أو ربما دخل أفقر دول المعمورة . ومن جانب ثاني أصبحت جل أحاديثنا في المقاهي كما في المجالس الخاصة جدا، مجالس المسؤولين والنخبة، عن سوناطراك وعن النفط، تارة هجوم إرهابي أجمع جل الجزائريين على أنه يستهدف قوتهم في المقام الأول قبل أمنهم المستهدف منذ عشريتين، ومرة أخرى عن حريق أخر بمصفاة للنفط بمجمع سكيكدة، وعن الفساد الذي أصبح بالملايير إلى درجة دوخ حتى الاقتصاديين وخبراء المال والأعمال، فما بالنا بالمواطن البسيط الذي ربما لم يسبق له أن وضع بضعة آلاف من الدنانير في جيبه، ولا يحلم حتى بالقليل مما ينفقه بعض الوافدين الجدد على عالم الثراء الفاحش في ليلة واحدة من لياليهم الحمراء. النفط تحول على ما يبدو إلى سبب شقاء الجزائريين، فالجزائري البسيط والمسؤول في أعلى مراتب المسؤولية يرضعون كلهم من ثدي سوناطراك وإن اختلفت أشكال الرضاعة كما وكيفا، فالريع البترولي هو قدر الجزائريين، وهو حق مكتسب يطالب به الجميع، والقلة القليلة منا من يفكر حقيقة فيما وراء النفط وما الذي سيكون عليه حالنا لما تجف الآبار في الصحراء، هل أعددنا لما بعد البترول أم أننا نعيش لراهننا، وسيأتيننا الفقر على حين غفلة ويباغتنا كما باغتتنا يوما الأزمة الأمنية، فضيعنا أمننا واستقرارنا ووحدة صفنا، ودخلنا فتنة كادت أن تمحي هذا الوطن من الوجود لولا لطف الله بنا. لقد استهدف الإرهاب من خلال اعتداء تيقنتورين خبز الجزائريين، وهذه حقيقة أحس بها الجميع، بل ذكرها حتى بعض المسؤولين على أعلى مستوى، وكان الرد مزلزلا، ودفع الإرهابيون الثمن غالي جدا، لكنهم سيكررون حتما المحاولة ، فاستهداف المنشات النفطية هو هدف استراتيجي بالنسبة لمن ينسبون أنفسهم للقاعدة، والسبب أنهم يدركون بأن النفط هو عصب الاقتصاد الجزائري. وليس هناك في الواقع فرق كبير بين أن يستهدف الإرهاب المنشات النفطية في الجزائر وبين أن تستهدف ثروة الجزائريين عبر الفساد الذي بلغ أرقاما ضخمة جدا، فالفضيحة الثانية التي هزت سوناطراك والتي تمتد إلى ايطاليا تؤكد مرة أخرى بان الفساد بلغ مستوى لا يمكن السكوت عنه، فأموال الجزائريين التي تنهب وتهرب للخارج عبر الرشاوى وعبر الاختلاس ومختلف الأساليب والطرق الأخرى لم تعد مجرد قضية داخلية، بل مصيبة تشوه صورة البلد خارجيا، وتصور الجزائر وكأنها دولة من دول الموز التي تعبث بها عصابات المال دون حسيب أو رقيب. ولا يزال موضوع الحرب في مالي يشكل احد الاهتمامات الرئيسية بفعل الانعكاسات السلبية لهذه الحرب والتي بدا الجميع يلاحظها، سواء بسبب الكوارث التي طالت السكان في شمال مالي ودفعت بهم إلى النزوح جماعيا إلى دول الجوار أو بسبب الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان، بسبب حالات الانتقام التي تنسب لجنود ماليين ولعصابات زنجية، أو بفعل العمليات التي تقوم بها المجموعات »الجهادية« التي شرعت في استهداف الجيش الفرنسي والمالي وجنود بعض الدول الإفريقية التي تشارك في الحرب، وهو ما يؤكد بأن النصر الذي هللت له باريس وباماكو قد يكون هشا، وقد نبه أغلب المراقبين إلى ضرورة التريث قبل الحديث عن نصر على المجموعات الإرهابية والمتمردين في شمال مالي، فكل المؤشرات تؤكد بأن هؤلاء قرروا التراجع التكتيكي لتحضير حرب عصابات قد تطول وتغرق شمال مالي وربما كل المنطقة في نزاع قد يستمر لعقود. ولما يصرح المبعوث الخاص للأمين العام الأممي إلى منطقة الساحل الصحراوي، الوزير الأول الايطالي السابق رومانو برودي بأن الحرب في مالي لا تهدد المنطقة فحسب بل تهدد الأمن العالمي برمته، فهذا يعني بان ما يجري في شمال مالي لن يبقى محصورا في هذا البلد بل سيمتد اللهب إلى دول الجوار وقد يصل إلى أبعد نقطة من هذا العالم، فنشاط القاعدة لم يعد محصورا في جهة من الجهات، ومن يخطط في أفغانستان ويضرب في الساحل الصحراوي، قادر أيضا بأن ينقل تهدده إلى أي نقطة يريدها من هذا العالم، وهو ما جعل رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغين لافروف يؤكد خلال الزيارة التي قام بها إلى الجزائر على خطورة النشاط الإرهابي في منطقة الساحل، فموسكو مهتمة مثل غيرها بضرورة القضاء على التهديد الإرهابي في كل منطقة الساحل الصحراوي، لكنها تعتقد إلى جانب الجزائر بان الحل العسكري والتدخل الأجنبي قد يجلب المزيد من المشاكل لمالي ولمنطقة الساحل الصحراوي وقد يزيد في تعقيد المشاكل الأمنية في هذه المنطقة.لقد صرح وزير الداخلية دحو ولد قابلية من إليزي أن ضمان أمن الحدود مرهون بيقظة الجميع، وكانت الرسالة موجهة خصوصا إلى أعيان المنطقة الذين لهم من دون شك دور كبير في تحسيس المواطنين بضرورة دعم الجهود التي تبذلها مختلف الأسلاك الأمنية فضلا عن الجيش لضمان امن الحدود المعرضة دوما إلى اختراقات من المجموعات الإرهابية التي تسعى من دون شك لاستعمال التراب الجزائري كقاعدة انطلاق لتنظيم الهجمات ضد الجيش الفرنسي وعساكر عدد من الدول الإفريقية والجيش المالي الذين بسطوا سيطرتهم على أهم مدن شمال مالي التي كانت تحت سيطرة المجموعات الإرهابية والمتمردين التوارق.