الخليجيات، مع تابعها نبيل العربي، تغرد خارج السرب، أعني سرب القوى الدولية الفاعلة في تسيير أزمات العالم أو تأزيمها أو فك خطوطها، والأمر هنا يتعلق بعاصمتين، موسكووواشنطن. تكون لدي هذا الإنطباع وأنا أتتبع التحركات السياسية والديبلوماسية المتصلة بالأزمة السورية وعلي أن أكون واضحا من البداية أن الملف في أحد جوانبه أصبح قضية توازنات دولية وقضية مناطق نفوذ ومصالح بين القوى الكبرى الولاياتالمتحدة والغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى ومن هذه الزاوية فقد أمسى ملفا دوليا وإقليميا بحكم الأمر الواقع وبحكم تداعيات هذه الأزمة على التوازن الاستراتيجي في المنطقة وحولها. وفي الوقت الذي لا يتزحزح ''القيصر'' بوتين عن موقف روسيا من الأزمة مدعوما بذلك من التنين الصيني المتأهب فإن أعراب الخليج وجامعتهم يسبحون ضد التيار وهم يعتقدون أنهم التيار، وبوتين قالها صراحة في باريس لدى لقائه هولاند حين أجاب عن سؤال لأحد الصحفيين، بسؤال آخر يعكس تقييم روسيا للتطورات على الساحة العربية : أتريدون أن توافق روسيا على إضافة سوريا للقائمة، وذكر ليبيا والعراق ثم تونس ومصر. وهو نفسه الذي أخصم هولاند خلال الندوة الصحفية المشتركة وعلى مدخل قصر الإليزي حين ذكر الرئيس الفرنسي أن على الأسد الرحيل فأجابه دون تردد الرئيس السوري زار باريس أكثر مما زار روسيا. موسكو لم تتنازل عن موقفها فحسب، بل دفعت الغرب وواشنطن بالذات إلى تبني مسار الحل السياسي النابع من جنيف واحد ثم جنيف اثنين، كما جددت دوما مثلها مثل بكين رفض أي شكل من أشكال التدخل العسكري الأجنبي وتغيير النظام بالقوة. بالمقابل فإن أعراب الخليج تحديدا يواصلون تسخين الطبل والنفخ في قربة مثقوبة، قد يشوشون بعض الشيء على القوى الفاعلة التي تمسك بالملف وقد يضيفون بعض الملح للطبقة الأمريكية، الغربية المعدة سلفا لتقرير مصير سوريا، لكن الأكيد أن هذه الطبقة لا تجد لحد الساعة المائدة أو الطاولة التي ستوضع فوقها ويتجمع حولها الجميع. في صراع الإرادات هذا الذي يتعلق بالتوازنات الدولية في منطقة كانت دوما محل استقطاب واستحواذ من القوى الغربية التي تسعى اليوم بعد تدمير العراق وتفتيته ثم إدخاله الصف على المستوى الإستراتيجي، إكمال المهمة بضم كل القطيع أو ما بقي من القطيع الشارد، وهنا تشكل سوريا، حسب التطورات إما إسدال الستار الأمريكي الغربي نهائيا على كامل المنطقة أو توسيع ثقبه ليتمزق من خلال تسجيل حالة بسيكولوجية تصيب '' الخليجيات'' بالجنون بعد أن وضعت كل بيضها في سلة واحدة على ظهر حصان أمريكي قد يعثر فتنكسر كلها. أحد جوانب الأزمة السورية أو بالأحرى العدوان على سوريا بأن واشنطن تدرج التعامل معها من خلال منظور عالم القطب الأوحد الذي تمثله منذ سقوط جدار برلين وتحقيقه بعد غزو العراق في حين أن روسيا والصين تسعيان إلى عالم متعدد الأقطاب وهو ما أعلنته موسكو صراحة أن تسييرالشؤون الدولية يجب أن يتغير من الهيمنة الأمريكية. وعلى هذا الأساس يندرج موقف روسيا والصين بالإضافة لمجموعة دول ''البريكس'' ومقاربتها لحل الأزمة السورية. أدوات واشنطن والغرب في المنطقة إذن وأعني بها الخليجيات لا يتعدى أفقها مجرد أنفها، هي لا تستوعب حقيقة الصراع وخلفياته وأبعاده وتداعياته، ومن خلال ما تقوم به فهي مجرد أدوات لتغذيته لحساب طرف آخر. ذلك أنه بالتوازي مع تمويل المعارضة الخارجية التي يتشكل أغلبها من مرتزقة سياسيين ومجموعات مسلحة إرهابية بالداخل بتواطئ مع تركيا ومع الأردن ومع لبنان فإنها تعمل على تخريب خطة جنيف الثاني كما خربت بعثات الجنرال الدابي وكوفي عنان، ولخضر إبراهيمي ورغم أن سعيها هذا لا يشكل أي تأثير في مواقف الدول الغربية الفاعلة إلا أنها تندرج ضمن التشويش المتعمد على أفق جنيف 2 وهذا أحد جوانب المهمة الموكلة إلى ''الخليجيات'' بقيادة قطر ومزاحمة السعودية، على اعتبار أن الغرب بقيادة واشنطن يمارس في تعامله مع الأزمة السورية تهجين يكمل بعضهما الآخر، الأول هو الإتصال والمفاوضات وحتى الضغوط والإغراءات على الطرف الفاعل في المعادلة وأعني به روسيا والصين والثاني تكليف أعوانه هؤلاء بالمهام القذرة دون أن تكون لهم سلطة القرار في التسوية النهائية، فقط تسخين الطبل.. ويبدو أن صمود سوريا لأكثر من سنتين، بعد أن كان الرهان أن يسقط النظام خلال ستة أشهر على أكثر تقدير أدى بالكل أن يعيد حساباته ذلك أن الجيش السوري الذي كان الرهان على تفكيكه بقي متماسكا بل تأقلم مع ظروف حرب العصابات والمدن وهو الآن من الناحية الاستراتيجية قد أفشل كل الرهانات، رغم صعوبة الوضع ورغم تواجد عشرات الآلاف من الإرهابيين والمقاتلين من أكثر من أربعين بلدا، بل تحولت سوريا إلى مزار كل الإرهابيين، فهل تتحول إلى ميدان مصرعهم؟