مازج الكاتب المسرحي يوسف البحري بين الكتابة الأدبية و الكتابة المسرحية، فنجح في التجربتين و صنع التميز فيهما معا فهو صاحب رواية» كيف كيف» التي حققت أنشارا واسعا و لقيت قبولا نقديا و أحدثت ضجة لأنه قدم فيها تقنيات جديدة في الكتابة وطرحا لموجوعة من التجارب المعاشة في الواقع « كانت رواية الأكثر مبيعا في عدة معارض للكتب في عام ''2009 ''. ومثلها كانت مسرحيته « حقائب» التي توجت في مهرجان مسرح القاهرة التجريبي في دورته 22 في عام 2010 نجاح الأستاذ يوسف البحري يرجعه متتبعوه إلى تنقله بين الفنون و شغفه بكل ما يمكن أن يكون « حياة» و استيعابه لتجارب مختلفة من ثقافات مختلفة كما فعل في مهرجان المحترف بحديثه عن تجربة مسرح « ألناو» الياباني. في هذا الحديث يعيد الأستاذ يوسف ربط العلاقة بين الاقتباس و التقنية و السينوغرافيا و النص، لان المسرح في نهاية المطاف كائن حي لا يمكنه أن يعيش دون تناغم جميع الأعضاء فيه . ● تحدثتم عن اقتباس التقنيات من مسرح» الناو» ماذا يمكن أن تضيف هذه التجربة إلى المسارح العربية، باعتبار الاختلاف في السياق التاريخي و الثقافي؟ يختلف الاقتباس من مسرح إلى آخر كل حسب خصوصيته، و للمسرح الياباني خصوصيته القائمة على اعتبار النص أمر ثانوي، فجوهر مسرح ألناو ليس النص لكنها الثياب و الاكسوسوارات والأزياء التي تستعمل لغرض خلق الإحساس.اقتباس التقنيات ليس اختيارنا نحن كمسرحيين عرب لكنه شيئي من عمق الخصوصية التي يقترحها علينا المسرح الياباني و لا تقدمه التجارب الغربية. ● من خلال حديثك عن هذه التجربة و النجاح الذي حققته في مسارح تونس هل يمكن أن نقول أن الجمهور العربي مستعد لقبول تجارب مخالف لثقافته؟ المسرح إذا لم يلعب دور تنشيط الدورة الدموية للوجدان في فكر الناس يصبح خارج الموضوع و خصوصية المسرح التي تجعل منه شيئا لا يموت هو كونه فن مباشر، فن حي يقوم على الجسد الحي . كل شيء موجود في الدنيا بإمكان المسرح أن يهضمه لفائدة الممثل، و بالتالي لا يستطيع الإنسان أن يستغنى عن التواصل المباشر مهما أعطتنا الأدوات الحديثة للاتصال من إمكانيات و سرعة و جدوى و فعالية ضمن بلاغة جديدة . الفضاء و المكان يخضع إلى إعادة صياغة، و المسرح دائما تقليدي مهما تطور لان المسرحي الجيد هو الذي يمتلك أدوات صنعته ● فكرة الأدوات تقودنا إلى التخوف الذي عبرت عنه من فقدان الجمهور هل يعني أن المسرح العربي اليوم يفتقر إلى أدواته، لان المسارح العربية تشكو عزوف الجمهور؟ طبعا هو فاقد بالكامل لها، أنا لدي فكرة متفاوتة عن المسارح العربية، و أعرف مشاكلها من الإنتاج والتشريعات، و أعتقد أن المسرحي العربي يطرح المشاكل بشكل خاطئ فبدل أن يهتم بالصنعة يهتم بالاعتراف السريع به ،و الحال أن المسرحي باعتباره صانع تقليدي يحب أن يكون متمهلا في عمله، و يجب أن يمتلك أدواته بالكامل.للأسف أغلب المسرحيين العرب لا يمتلكون أدواتهم و ينتظرون الدعم و الترويج باستثناء تجارب قليلة في لبنان و تونس امتلاك الأدوات يضمن للمسرحي الاستمرار و تربية الجمهور. ● ماذا تقصد بتربية الجمهور؟ يعني أن يتعود هذا الجمهور أن يأتيك و يعرف عنوانك . فبدل أن تتجاوزنا الأحداث و نظل نبحث عن الحل يجب أن نستوعب نمط العيش الحديث و نبحث عن أدواتنا الخاصة لامتلاك الجمهور. ● التقنيات الحديثة جزء من تلك الأدوات التي دخلت الخشبة لكن هناك من يرى أن التركيز عليها قد يفقد العرض فرجته ما رأيك؟ المسالة مرتبطة بمن يستعمل الأدوات والتكنولوجيا الحديثة، يمكن أن يكون الاستخدام جيدا يخدم العرض كما يمكن أن يكون للتباهي فقط و المتفرج يمكنه أن ينتبه لهذا . يبقى الجانب الحي هو الأساسي على الخشبة، و إذا غاب هذا الجانب نصبح أمام نمط ثاني من الفرجة . الخشبة تحتمل المسرح و غير المسرح و تبقى قدرة المسرح انه قادر على الهضم المشكلة أن بعض مسرحيين لا يحسنون الصنعة و يوظفون التكنولوجيا بفجاجة و لا يصلنا منها شيئا. المسرح في كل أنواعه هو الإحساس بمعاني مختلفة و كل ما لا يثير الأحاسيس ليس بمسرح ، لان المسرح في نهاية الأمر هو إعطاء روح للأشياء . ● هل يعني هذا أن المسرح بلا هوية محددة ما دام يتجاوز نفسه دائما؟ هو مثل الإنسان و مرتبط به هو بنزين الإنسان، عندما يفرغ وجدانه المسرح وحده القادر على أن يعيد الحياة و الحركة لوجدانه. ● بين تجربة ''حقائب'' و ''كيف كيف'' أين يقف يوسف البحري؟ أكتب المسرح بالمتعة نفسها التي أكتب بها للمسرح لكن فقط الطريقة تختلف، أكتب الرواية للقارئ لكن لا أكتب النص المسرحي للمتفرج لكن لفريق عمل يعمل هو بدوره على تقديمه للمتفرج، يعني نصير مجموعة مؤلفين نحمل وجهات نظر مختلفة و قد نتعارك و نجتمع و نفترق و نناقش و نتخاصم و نتحدى تلك العلاقة لتقديم شيء ما للجمهور و تصير هذه التجربة بدورها مادة و طاقة للكتابة الأدبية بؤرية جديد ووعي بتقنيات جديدة يتيحها العمل المسرحي.