بين الباب والشارع مسافة قصيرة تختزل الحكاية..في قلب العاصمة يسكن ويضبط إيقاع الحياة الصاخب بهدوء ابن الهضاب الممتدة على الجمال والسكينة..بمجرد أن فتح أمامي باب مكتبه بأدب واستقبال دافئ خٌيل إلي أنني سافرت عبر الزمن..مكتب أنيق في بساطته، تؤثث جدرانه الأربعة الكتب..لا تحتاج إلى نباهة لتعرف أنك أمام رجل يدرك قيمة الحرف والكلمة..قبل أن أجد طريقي إلى مقعدي، جاء صوتها يتسلل إلى أذني على استحياء..إنها هي والأغنية ذاتها ..»والطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان«..حتى يكتمل المشهد..كانت فيروز وكانت القدس. في هذا الحوار الدافئ تحدث الدكتور علي بن محمد عن الطفولة، عن ملحمة الانتصار..تذكر واستحضر قصص رجال تحولوا إلى رموز..تحدث عن بداية الحلم بجزائر قوية ، يافعة ، حالمة..عن الخيبات والانكسارات أفضى وتألم..عن الدكتور علي بن محمد الإنسان والتجرية والمسيرة وبقية الحلم هذه الكلمات. بين الباب والشارع مسافة قصيرة تختزل الحكاية..في قلب العاصمة يسكن ويضبط إيقاع الحياة الصاخب بهدوء ابن الهضاب الممتدة على الجمال والسكينة..بمجرد أن فتح أمامي باب مكتبه بأدب واستقبال دافئ خٌيل إلي أنني سافرت عبر الزمن..مكتب أنيق في بساطته، تؤثث جدرانه الأربعة الكتب..لا تحتاج إلى نباهة لتعرف أنك أمام رجل يدرك قيمة الحرف والكلمة..قبل أن أجد طريقي إلى مقعدي، جاء صوتها يتسلل إلى أذني على استحياء..إنها هي والأغنية ذاتها ..»والطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان«..حتى يكتمل المشهد..كانت فيروز وكانت القدس. في هذا الحوار الدافئ تحدث الدكتور علي بن محمد عن الطفولة، عن ملحمة الانتصار..تذكر واستحضر قصص رجال تحولوا إلى رموز..تحدث عن بداية الحلم بجزائر قوية ، يافعة ، حالمة..عن الخيبات والانكسارات أفضى وتألم..عن الدكتور علي بن محمد الإنسان والتجرية والمسيرة وبقية الحلم هذه الكلمات. قبل البدء في الحوار شاهدت منذ لحظات موقفا إنسانيا وأخلاقيا لافتا؛ إذ استوقفك أمام المنزل رجل نزل من سيارته ليلقي التحية وقال إنه سعيد وفخور برؤيتك.. ماذا يمثل للدكتور بن محمد مثل هذه الموقف ؟ ● الرصيد الحقيقي للأستاذ أو المعلم كان دائما هذا الذي شاهدتموه منذ لحظات، عندما يلقى أجيالا ما تزال تتذكره وتتوقف له في الطريق وتسأل عنه وليس شيئا آخر، لكن هذا الرصيد لا يتأتى هكذا، فتجربتي أنا كتلميذ قد مرّ علي عشرات الأساتذة والمعلمين، لكن الذين أحتفظ بهم في الذاكرة هم الذين كان لهم أثر في شخصيتي تعليميا وتربويا وإنسانيا، ولذلك أفرح عندما يحدث معي موقف مثل هذا خاصة وأن هذه المواقف لم تعد تتكرر معي كثيرا لأنني نادرا ما أخرج، وهذا الرجل الذي شاهدتموه كان مارا في الطريق لا يعرف المنزل وقد تفاجأ بي ويتذكرني منذ سنة 1985 عندما درسته في جامعة الجزائر. نبدأ أسئلتنا من الراهن التربوي، لا شكّ أنك على اطلاع بما حدث في بعض مراكز امتحان البكالوريا أين قام بعض التلاميذ بالتهجم على الأساتذة وتكسير زجاج النوافذ، بماذا شعرتم حين سمعتم بما حدث؟ ● حدث أضعه في باب أوسع هو ضياع هيبة المدرسة كمؤسسة وضياع هيبة من يقومون على التعليم من المدير للأستاذ إلى المراقب. ما حدث يوم البكالوريا يحدث بكثرة طيلة أيام السنة الدراسية، رأيت ثانوية يشعل تلاميذتها النار، وفي مدرسة أخرى عصابة ضربوا المعلمين والمعلمات ضربا مبرحا. هذه هي مظاهر بعض المدارس اليوم. الصورة البارزة التي صدمت الجزائريين هي ماحدث في امتحان الفلسفة، ولكن بالنسبة لي هذه مجرد الشجرة التي كانت تغطي الغابة، الآن سقطت الشجرة واكتشف الناس الغابة وتوضح أن المدرسة الجزائرية في حاجة أكيدة إلى إعادة الضبط والحزم. إذا أنتم مع الطرح القائل بوجود جهات تعمل على تحطيم البكالوريا الجزائرية؟ ● أولا قرأت وسمعت مثل هذه الأطروحات، لكنني أنظر للموضوع بشكل أشمل وأعمق.. لأنني أستطيع أن أفهم أن هناك من لديهم مشروع مدرسة بديلة هي المدرسة الفرنسية، لكن لم ولن أفهم لماذا تعمل هذه الأطراف على تحطيم البكالوريا؟ لأن البكالوريا في النهاية هو امتحان. ربما العودة قليلا إلى الوراء قد يساعد على فهم مسار الصراع على المدرسة الجزائرية بين مشروعين مختلفين تماما؛ مدرسة جزائرية أصيلة تحافظ على الهوية وهذا مانذرنا أنفسنا للدفاع عنه ومدرسة مستوردة وغريبة عن قيم هذه الأمة. نعود إلى الحديث عن شخصكم، أين هو الدكتور بن محمد؟ وكيف يقضي أوقاته؟ ● يتنهد.. تقاعدت قي الفاتح سبتمبر سنة ,1994 و لم أكن قد أنهيت51 سنة من العمر، طلبت التقاعد بعد أن أنهيت مهامي في القاهرة، طلبت من الخارجية تحويل ملفي إلى صندوق التقاعد، منذ ذلك الوقت أشتغل في الجانب الفكري والثقافي والصحفي، مع النقص الكبير في هذه المجالات. في الفترات الأولى من تقاعدي كان الأصدقاء يلومونني لعدم العودة إلى الجامعة، كنت أرد أن الجامعة بعد كل العمر الذي قضيته فيها، يفترض أن توجه هي إلي الدعوة وأن أصبح مطلوبا في الجامعة، لا - بكل تواضع - أن أطلب دعوتي، وبما أن القائمين والقيمين على الجامعة لم يستشعروا أنهم في حاجة لي، أنا أيضا لم ولن أطلبها أبدا، علما أن الانسان عندما يكون في الثلاثينات والأربعينيات من العمر وبسبب متاعب الحياة ومشاغل الأسرة لا يكون متفرغا، لكن بعد الخمسين الإنسان كله فائدة للعمل، لأنه يصل إلى مرحلة النضج وتراكم التجربة، خاصة العمل الجامعي الذي ليس فيه تقاعد إلا عندما تظهر على الإنسان بوادر الشيخوخة الذهنية ومشاكل الذاكرة، وهنا وجب التوضيح أن زملائي الذين هم في الجامعة لا يمكنني لومهم بشكل شخصي ومهني، لكن أعتقد أنها أزمة ثقافة عامة سائدة في البلاد عندما يصل أبناؤها لسن معين تهملهم. ماذا عن مشاريعك؟ ● عملي الرئيس والمحوري هو الكتابة والتأليف، أنا بصدد تحضير أعمال أكاديمية سواء وجدت لها ناشر حاليا أم لا. المهم أن تكون جاهزة الجزائر على موعد بعد أشهر مع الاستحقاق الرئاسي ألا توجد لديك مشاريع سياسية أو نية في الترشح أو دعم مرشح مثلا؟ ● أدعو الله أن نوفق إلى إجراء انتخابات حرة وديمقراطية وأن ننتخب رئيسا يرضى عنه الشعب، لكنني شخصيا ليس لدي من أرشح ولا من أساعد. لست معنيا تماما بالعملية السياسية؟ ● إطلاقا. وجبهة التحرير.. ● جبهة التحرير ابتعدت عنها منذ مدة؛ أنا أصلا اتجهت للسياسة من أجل الفكر والثقافة، ربما لوكنت في بلد آخر لكنت لم أدخل عالم السياسة من الأساس، منذ بداياتي أيام كنت أناضل في الاتحاد الوطني للطلبة في 1962 كان هدفي الأول هو الدفاع عن القيم الحضارية والثقافية للأمة الجزائرية ، ومن حيث لا أقصد وجدت نفسي في السياسة. وصلني انطباع وكأن في هذه الجملة مرارة أو خيبة وكأن هناك من تنكر للقيمة الاعتبارية لبن محمد؟ ● في فهمي للسياسة والمناصب أنها ليست خالدة، وكنت دوما مع أصدقائي أشبهها بالزكام، مهما طالت مدة الإصابة به يأتي يوم نشفى منها. لكن هذا لايمنع أنني أشعر بالخيبة تجاه طغيان بعض الممارسات والمعاني السلبية في مجتمعنا. في بلادنا للأسف قيمتك من قيمة الكرسي الذي تجلس عليه، وهو الحال نفسه على الساحة الثقافية قيمتك بقدر ما تحدث من تهريج والحضور في كل مكان، لأن الفراغ الثقافي في البلاد ترك الباب مشرعا للفوضى والكرنفالية، لا توجد حياة ثقافية، توجد مناسبات ثقافية، وتوجد »عصب« ترقي من تريد من أسماء في شتى المجالات، السياسية والثقافية والفكرية والنضالية، هل سمعتم مرة عن تكريم الأساتذة والدكاترة الجامعيين؟..هل سمعتم أنهم كرموا بلقاسم سعد الله هذا الرجل الذي قضى 70 سنة من عمره وهو يناضل ويجاهد من أجل تاريخ الجزائر، لو كان في بلاد آخر لشيدوا له متحفا. ماتعليقكم على تعيين عز الدين ميهوبي رئيسا للمجلس الأعلى للغة العربية؟ ● ليس لدي تعليق، كل مؤسسات الدولة يعيّن فيها أناس من زوايا معينة، ميهوبي شاعر وأديب وكاتب صحفي، لكن ليست هذه هي المقاييس التي تؤخذ عادة في الاعتبار في الجزائر لتولي المناصب، أظن أن المعيار الأول والأهم هو أن يتم وضع الشخص الذي لا يسبب أي صداع أو مشاكل. نقطة أخرى مهمة أود توضيحها في هذا الموضوع؛ المادة الأولى في قانون المجلس الأعلى للغة العربية تنص على أن المجلس يسهر على تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية، إلا أنه وللأسف تحوّل إلى مجرد وكالة محاضرات عن تاريخ اللغة العربية وبأنها صالحة لكل زمان ومكان.. نحن نريدها أن تكون صالحة لهذا الزمان وفي هذا المكان. بعد عقود طويلة من الصراع والمعارك من أجل مدرسة وطنية وأصيلة، هل آن للمحارب أن يستريح؟ ● لا يمكن لمحارب مثلي أن يستريح، أنا أخوض حروبي في المجال الفكري والثقافي، ليس لدي منفعة أو مصلحة شخصية في هذه المعركة، بل لدي تصور ورؤية أن الأمة لا تستطيع أن تستكمل عناصر القوة والنهوض إذا لم تكن قاعدتها الثقافية متينة تقف عليها جميع فصائل الأمة. هناك أسئلة وقضايا يجب أن نطرحها ونناقشها بمنتهى الصراحة والوضوح والمثقف والمفكر معني بهذه الأسئلة. اليوم في الجزائر عندما نقيم 50 سنة من الاستقلال ونسأل أنفسنا ماذا حقننا، ماذا عن الأهداف التي رسمتها هذه الأمة بعد الاستقلال. أولا، فيما يتعلق بالسيادة الوطنية الكاملة؛ ضحينا بالغالي والنفيس والتي لا ينبغي أن ينقص منها شيء، لكننا اليوم لا يجد بعض الجزائريين غضاضة في أن يستفتي كاتبة الدولة الأمريكية في انتخاباتنا الرئاسية، لترد عليهم ومجاملة فقط أن لا رأي للأمريكيين في الرئيس المقبل للجزائر. إلى هذه الدرجة وصل الحال بنا..؟ ثانيا، التربية والتنشئة الاجتماعية للإنسان الجزائري، مجتمعنا الذي عاش قرونا من التهميش والفقر والتجريف الفكري والحضاري على مر الغزاة والمستعمرين الذين مروا على هذه الأرض، ماذا فعلنا لإعادة بنائه وتشكيل قيمه ووجدانه، كيف هو حاله اليوم، أقولها بمرارة ما عدا الجانب المادي والاستهلاكي فنحن لم نفعل أي شيء. هل بنينا إنسانا واثقا من نفسه، يمتلك ناصية اللغات والثقافات. الجواب قطعا لا. المعركة مازالت مستمرة إذن؟ ● طبعا، المعركة لا تزال مستمرة لأنها هدف حياتي كلها، في سنة 1962 كان من أصدقائي من ذهب إلى أوروبا ومنهم من ذهب إلى أمريكا، أما أنا فقد اخترت التوجه صوب المشرق العربي لأحوز على شهادة الليسانس في الأدب العربي ولأعود وأدرس في الجزائر، ويوم عودتي كنت شابا في 23 سنة من عمره .كل الأبواب كانت مفتوحة أمامي، كان بإمكاني اختيار أي قطاع للعمل؛ الطاقة أو الأمن أو الخارجية حيثما أريد، لكنني كنت مصمما على قطاع التربية، منذ البداية كان هدف حياتي هو التدريس والمدرسة، وأزعم أنني قمت بكل ما يمكنني القيام به، وما هو خارج عن إرادتي ويفوق طاقتي لا يمكنني أن أتحمل مسؤوليته وإنما أتحدث عنه أو أكتب عنه هذه السنوات الطويلة على حادثة بكالوريا 92 هل كشفت لك الأيام مزيدا من التفاصيل حول تلك المؤامرة كما تسميها؟ ● لا توجد تفاصيل، إنها مؤامرة لا تحتاج إلى دليل، لم تقع في أي بلد في العالم أن تتعرض المواد الست لامتحان الباكلوريا لأوسع وأكبر الشعب وهي شعبة العلوم للتسريب ويتم تعليقها على جدران الثانويات وتوزع الأسئلة بالسيارات. ماذا يمكن أن نسمي ذلك، إنها مؤامرة وليست لها تسمية أخرى. لقد تكلمت عن هذا الموضوع عدة مرات حتى أصبحت أتضايق من الحديث عنه، لكن ما يمكنني توضيحه أكثر في هذه القضية هو التأكيد على تفصيل مهم وهو أن هناك أطرافا في السلطة كانت ومنذ البداية لا يسعدها وجود علي بن محمد على رأس قطاع التربية وكانت تعمل بكل قوة من أجل ازاحتي من منصبي وهو ما يبدو أنهم نجحوا فيه عن طريق فبركة مؤامرة بكالوريا 92 . وحتى أوضح الصورة أكثر أقول إن الرئيس الراحل محمد بوضياف رحمه الله أرسل إلي في أحد الأيام مستشاره أحمد جبار يبلغني بواسطته ضرورة تأجيل الاجراءات الجديدة للسنة القادمة، فقلت للأخ أحمد جبار »قل للسيد الرئيس إنه لا يمكن تأجيل تلك الإجراءات المتخذة للدخول القادم ولكني أعرض على الرئيس أحد الحلين: إما أن يقيلني ويجعل سبب ذلك ما يريد وإما أن أقدم أنا استقالتي له وأجعل سببها مثلا وضعيتي الصحية أو أي شيء آخر« أسبوع بعد هذه الحادثة قام الراحل بوضياف بتنصيب المجلس الاستشاري وقام في كملته بمهاجمة المدرسة التي وصفها ب »المدرسة المنكوبة« التي تخرّج »الحيطيست«، فأدركت أنهم يريدون اجباري على الاستقالة، وقمت فعلا بتقديم استقالتي مكتوبة، لأنني لا أقبل أن أكون وزيرا لمدرسة منكوبة، إلا أن بوضياف أصرّ على رفض استقالتي وقال إنه »ماكانش فاهم وفهم«، وكانت هذه الحادثة المعركة الأولى التي فشل فيها في الإطاحة بي من يزعجهم وجودي. وكانت المعركة الثانية هي البكالوريا؟ ● أجل بقيت فرصتهم الأخيرة هي البكالوريا وكنت أستشعر أن خطبا ما سيحدث، كنت أتوقع شيئا مشابها لما حدث هذه السنة في امتحان الفلسفة، تسريب موضوع يزعجني فأستقيل لكنهم جاؤوا بالمدفعية الثقيلة والتسريب كان على نطاق مفضوح وواسع يصعب تداركه أو لملمته. وفي مجلس الحكومة أرادوا مني أن أعاقب مدير الامتحان دون تحقيق، وأنا كنت مستعدا لمعاقبة مدير الامتحانات لو ثبت بالتحقيق أنه متواطئ مع الجهة التي سربت الأسئلة، والأصح أنهم كانوا يردونني معاقبة مدير الامتحانات ليعلقوا بعدها أن الوزير ظل في منصبه وحمّل المسؤولية للمدير المسكين الذي دفع الثمن عن الوزير وما شابه ذلك، كل ما كانوا يريدونه من هذه المؤامرة هو أن لا يتم الدخول المدرسي القادم 9392 تحت إشرافي لكي لا تطبق الإجراءات الجديدة وفي مقدمتها إدخال اللغة الانجليزية إلى جانب اللغة الفرنسية في السنة الخامسة الابتدائي، فكان المهم أن لا أكون أنا وشاءت الأقدار أن يقتل بوضياف وأن تتغير الحكومة ويقدّرون وتضحك الأقدار. نفهم من كلامك أن رحيل بن محمد كان مطلوبا بأي ثمن ؟ ● أجل، وقناعة من الرئيس الراحل بوضياف بالعنف المعنوي والضغط الذي كان يمارس علي في أداء مهامي بالوزارة أمر بتعييني سفيرا رغم أنه في تلك السنة أمر بعودة12 سفيرا كانوا من الوزراء القدامى وكنت في ذلك العام الوزير السابق الوحيد الذي عيّن سفيرا إحساسا منه بما يمكن أن أتعرض له لو بقيت في الجزائر ماذا عن حادثة سرقة البيت، ما هو أول شعور انتابك وأنت ترى بيتك يتعرّض للتخريب؟ ● لقد كان إحساسا لا يوصف، كنت في اليوم الثاني للعيد وكنت في البيت العائلي بالمسيلة عندما بلغنا الخبر من قبل أحد الجيران؛ منزل وزير لايزال في الحكومة يفتح ويسرق؟. منزل يقع بالقرب من مقرات مصالح الأمن ؟ كنت طيلة طريق العودة إلى العاصمة وأنا افكر وأستقرئ ما حدث، لكن المنظر الرهيب الذي لا يمكن أن يتخيله أحد، عندما دخلت البيت وجدت كل الحقائب مفتوحة. الثلاجة محطمة، كانت هناك مفقودات منها حلي الزوجة، لقد كان حجم العنف الذي تمت ممارسته على المنزل غير معقول يعكس الغيظ من شخص تريد تنحيته ولا تستطيع رغم أنني كنت مستعدا للرحيل لأول إشارة من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، لأنني مقتنع بأنه لا يمكنني أن أكون وزيرا معارضا داخل الحكومة. اذا هناك لبس..ماذا كشف التحقيق؟ ● لم يكشف شيئا، وعندما اتصلت بأحد المسؤولين في الأمن رد علي بالقول أننا مشغولين بالعنف والإرهاب بسبب أزمة الفيس وما يجري في البلاد، قلت هذا أمر وذاك أمر آخر.. هذا لا يمنع أن يكون هناك من يتولى مهمة التحقيق في الاعتداء على منزلي؟..أظن أنه لم تكن هناك رغبة في التحقيق وبعد الاستقالة لايصبح صوتك مسموعا دكتور، تربطك بالراحل عبد الحميد مهري علاقة قوية ومتينة، ماذا شعرتم بعد رحيله؟ ● شعرت يوم وفاته باليتم تماما كما شعرت يوم وفاة والدي، عرفته في وزارة التربية عندما كنت مساعدا للأمين العام عبد الرحمان شريط، وفي سنة 1967 أنشأت الدول المغاربية آنذاك الهيئة الاستشارية للتربية في المغرب العربي، وكان مهري يشغل منصب المنسق، وكانت هذه الهيئة تعقد سنويا ندوة في إحدى الدول حول قضايا التربية والتعليم، وعقدت تلك السنة في الجزائر، وجاء مهري يسأل عن التنظيم، وقال إن الوزراء المغاربة سيحضرون مداخلاتهم مكتوبة باستثناء الوزير التونسي المسعدي وهو وزير مثقف يرتجل ولا يكتب مداخلته وطلب أحدا يمكنه كتابة خطابه، اقترحني عبدالرحمن شريط عليه بصفتي المسؤول على السكرتارية الفنية للندوة، جاء إلى مكتبي بقامته الفارعة، يخجلك بلطافته وتواضعه وصدق الترحيب، وحدّثني عن المهمة. قلت له كن مطمئنا. من هذه الندوة بدأت معرفتي بالراحل عبدالحميد مهري، عندما انتهت الندوة سلمته المحاضر كاملة وسلمته خطاب الوزير التونسي المسعدي، وعندما اطلع عليه سأل »أنت حافظوا ..« قال هذا هو الخطاب حرفيا، من يومها أذهب إليه إلى دار المعلمين ببوزريعة نتبادل الأحاديث. كنت حينها أستاذا في ثانوية عمارة رشيد بعد عام قضيته في وزارة التربية. وهل انقطعت علاقتك بمهري بعد ذلك..؟ ● مهري لا يمكنك الانقطاع عنه، بعدما غادرنا وزارة التربية بعد تعيين مصطفى لشرف، عاد سي مهري لإدارة دار المعلمين ببوزريعة وذهبت أنا إلى حزب جبهة التحرير الوطني وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين التقينا في رحاب اللجنة المركزية للحزب. توفي الرئيس بومدين وخلفه الشاذلي بن جديد، وحدثت بمجيء الرئيس الجديد تغيرات سياسية مهمة، أما أنا فكنت أتحين الفرصة للعودة للجامعة، وهو ما حدث فعلا ، في حين ذهب مهري سفيرا للجزائر في باريس ثم المغرب، كل هذه العلاقات مع مهري سواء في الوزارة أو في الحزب أو بعدها ظلت قائمة وتحولت إلى علاقة عائلية متينة ¯ أجمل موقف حدث لك مع مهري ؟ ● والله كثيرة المواقف الجميلة مع مهر. آكثرها تأثيرا فيك والتي تتذكرها باستمرار؟ ● هناك حادثة بعينها لا يمكن أن أنساها أبدا. لما أنهيت مهمتي في القاهرة كسفير وعدت إلى الجزائر بعدها بأيام قليلة يتصل بي أحدهم إذا كنت قد قرأت جريدة »ليبرتي«، أجبته أنها ليست من الصحف التي أقرؤها، فقال يجب أن تقرأها اليوم، وجدت في صفحة»رادار« خبرا مفاده أن السفير الذي عاد من القاهرة حمل كل ما يوجد في إقامة السفير في حقائبه وأن وزارة الخارجية أرسلت لجنة تحقيق وقامت بتشميع المقر. في تلك الفترة عبد الحميد مهري كانت له مشاكل كثيرة مع الرئيس زروال بسبب قضية الفيس والحوار، وكانت لديه مواقف من كل ماكان يجري في البلاد، ورغم ذلك تجاوز كل هذا واتصل بزروال وقال له »لماذا الحقرة لماذا تفعلون هذا مع سي علي« استغرب زروال وقال أنه لا علم له بشيء، رد مهري »إقرأ ليبرتي«.. » والحق يقال أن الراحل مهري لم يخبرني بهذه الواقعة في حينها، أنا يومها قمت باتصالين؛ الأول للأمين العام لوزارة الخارجية، وقلت له هذا شأن لا يهمني وحدي، لو كان كذلك أنا قادر على »شقاي« وأتابع كاتب الخبر شخصيا في القضاء، لكنه مهمتكم أيضا، لأنهم يقولون أنكم أرسلتم بعثة تحقيق وشمعتم المقر، مع أن سرقة الإقامة الدبلوماسية تحتاج إلى باخرة لنقلها. بعد اتصالي صدر بيان شديد اللهجة من وزارة الخارجية، أما الاتصال الثاني فأجريته مع مدير تحرير الجريدة، الذي أكد أنه لا يعلم شيئا عن كل هذا وأنا صدقته. نفهم من هذا حتى بعد مغادرتك الوزارة كان هناك من يصرّ على ملاحقتك؟ ● أجل لم تكن لهم رغبة في تركي بسلام، ولم يخبرني مهري عن اتصاله بالرئيس زروال في حينها بل بعد مدة وقلت له لماذا فعلت هذا لعلمي بأن علاقته آنذاك مع الرئيس متوترة نتيجة مواقفه مما كان يجري في المشهد السياسي، ردّ بالقول »هناك أمور لا يمكن السكوت عنها، ثم إن ما حدث إهانة للبلاد بأكملها«. هل ظلم مهري في الجزائر؟ ● مهري ظلمت الجزائر بظلمه، مهري كان مكانه الرئاسة، وكان الرجل الوحيد القادر على اخراج الجزائر من أزمتها دون أن تدفع 200 ألف قتيل، لأن الأزمات السياسية لا تعالج إلا بالسياسة وكلما ابتعدنا عن هذه القاعدة نخطئ ونظلم الناس، لو أن الجزائر كانت صادقة مع نفسها آنذاك لم تكن لتجد أحسن من مهري لفترة انتقالية ندخل بعدها إلى تعددية حقيقية. دكتور تجمعك بدمشق وسوريا عموما ذكريات ومحطات، كيف تنظر إلى ما آلت إليه الأحداث في هذا البلد الشقيق؟ ● كل ما يحدث يحزنني لأن القتلى كلهم سوريين ماعدا المدفوعين والمأجورين، كفى ظلما بالأمة وأنه عوض أن نقاتل إسرائيل أصبحنا نقاتل بعضنا بعضا ، دولة قائمة برئيسها ووزرائها نخرجها من الجامعة العربية ونمنعها من الساتل العربي، مصر التي يفترض أن يكون لها دور في الأزمة تقطع علاقتها مع سوريا، أيضا آلمني موقف بلادنا، صحيح أنها التزمت الحياد، ولكن أنا لا أرضى بالحياد في موقف كهذا لأنه في هذه الحالة استهانة بكل قيم الأمة العربية ترى أن موقف الجزائر باهت؟ ● هو أقل من القليل، لا أقارن موقف الجزائر بالذين ذهبوا بعيدا في النكاية، بل أتحدث عن موقف الجزائر الذي يجب أن يكون، موقف المبادئ، لسنا بالضرورة مع النظام السوري، نحن نعترف بالدول وليس بالأنظمة والدولة السورية ما زالت قائمة وهذه مشكلة داخلية ما يحدث شبيه بما فعلوه في ليبيا ونحن سكتنا على ما حدث هناك، لم أكن يوما مع القذافي لكن أن يزال النظام بالطائرات الفرنسية والأمريكية فهذا غير مقبول، لأننا نفتح اليوم نافذة خطيرة. أي نظام لا يعجب أمريكا قد يتعرض لما تتعرض له سوريا، ولعل المخزي أيضا هو موقف القرضاوي. قرأت ما قاله صديقي الأستاذ عبد الرزاق قسوم حين قال إن البيان الذي أصدره الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين برئاسة القرضاوي والذي دعا إلى الجهاد في سوريا لم يستشر فيه ولم يوافق عليه وفد علماء الجزائر، كنت أتمنى لو أن الوفد الجزائري انسحب من مؤتمر القاهرة بصرخة ويقول إننا نتبرأ من البيان في القاهرة لا في الجزائر، كيف يرضى علماء الجزائر أن يكونوا شركاء في هذه المهزلة، والأخطر من ذلك من هو الطرف المستفيد من هذه الفتنة بين السنة والشيعة التي تؤججها مثل هذه البيانات ومثل هؤلاء من يسمون أنفسهم علماء، قطعا المستفيد الأول والوحيد هي إسرائيل التي نسيناها وأصبح الشيطان الأكبر هو الشيعة وحزب الله. ** الآن دكتور، بعض الأسئلة السريعة معلم لا يمكن أن تنساه؟ ● هو الأستاذ الذي حببني في اللغة العربية الشيخ عبد القادر بن محمد بلقاضي، وفي الفرنسية السيد ديبلونك كان ممتازا وغير عنصري على عكس آخرين. أكلة تربطك مباشرة بالوالدة؟ ● الشخشوخة المسيلية هي مختلفة عن شخشوخة ببسكرة وبوسعادة، هي شخشوخة خاصة. كتاب لا تمل قراءته؟ ● كليلة ودمنة لابن المقفع وكتاب الحيوان للجاحظ؟ ● كتاب عن التربية ما بعد الحداثة ماذا يدندن الدكتور بن محمد؟ ● الأغاني التقليدية الجزائرية لا سيما الأنغام السطايفية والصحراوية والمالوف القسنطيني. أغنية بعينها؟ ● كل مرة يخطر ببالي أغنية أو بيت شعر يرافقني طيلة النهار. يمارس الدكتور الرياضة؟ ● أجل، رياضة المشي إضافة إلى آلة الجري الكهربائ آي الفرق تشجع ● الفريق الوطني في المقابلات الدولية. بورتري ● الدكتور علي بن محمد من مواليد المسيلة زاول تعليمه الثانوي ما بين1956-1962 بثانوية التعليم الفرنسي الإسلامي بمدينة قسنطينة ، وتخرج من جامعة دمشق بإجازة ليسانس في اللغة العربية وآدابها، ومتحصل على دكتوراه الدولة من جامعة الجزائر، حول الأدب العربي الأندلسي سنة .1976 بدأ مشواره المهني في التدريس سنة 1966 بعدة ثانويات ليتقلد بعدها مناصب في وزارة التربية إلى أن يعين وزيرا للتربية سنة 1990 ثم سفيرا في القاهرة سنة ,1992 له عدة مؤلفات أكاديمية وتعليمية وسياسية واجتماعية.