مرت الذكرى الخامسة عشر لرحيل فقيه الجزائر ورئيس علمائها العلامة المجاهد الشيخ أحمد حماني - رحمه الله- في صمت وعدم مبالاة في الأوساط الثقافية والإعلامية. كان الشيخ أحمد حماني قد التحق بجوار ربه في 29 جوان,1998 أي بعد يومين من اغتيال المطرب معطوب الوناس في 27 جوان,1998 والذي ملأت ذكرى وفاته الخامسة عشر صفحات الجرائد وشاشات القنوات الفضائية، ولاشك أن كل موهبة تنتقص من الرصيد العلمي والثقافي والفني للجزائر هي خسارة تستحق الذكر... غير أن أوضاعنا تعطي الانطباع بأننا نحيا في زمن انقلبت فيه القيم واضطربت المقاييس وتميعت المفاهيم، حتى أصبحت قيمة العلم والعلماء في أسفل سافلين! ولد الشيخ أحمد حماني في 6سبتمبر1915 ببلدية العنصر، دائرة الميلية ولاية جيجل، ومن أجل تمكينه من إكمال دراسته قبل أن تدركه الخدمة العسكرية قام والده الشيخ محمد بتغيير تاريخ ميلاده على سنة .1920 سخر العلامة أحمد حماني حياته لخدمة الإسلام والعربية والجزائر، فكان من أنجب تلاميذ الإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الجزائرية، وأوفاهم لتعاليمه ومنهج مدرسته الإصلاحية وروحه الوطنية الثائرة. اشتهر الشيخ أحمد حماني -رحمه الله- بشدة بغضه للمحتل الفرنسي إلى درجة أنه حاول في تونس تأسيس شبه جيش من الشباب الجزائري في سنة 1944 والتحالف مع القوات الألمانية لطرد فرنسا من الجزائر. لم تنمح من ذاكرة أحمد حماني بشاعات جرائم الاحتلال الفرنسي في حق الشعب الجزائري وذلك منذ حملة الجنرال السفاح سانت آرنو على منطقة جيجل في سنة 1851 حيث قامت القوات الفرنسية بحرق أكثر من100 قرية وقتل أكثر من 1500 شخص في الأيام الأولى من الحملة، ولكن سياسة الرعب والترويع التي انتهجها قادة الاحتلال لم تفت في إرادة المقاومة عند أجداد الشيخ حماني الذين تصدوا رغم الفارق المهول في العدد والعتاد مقارنة بقوات الجنرال سانت آرنو وألحقوا بعساكره خسائر كبيرة في معركة زالركابةس الشهيرة بمنطقة بني عيشة ببلدية العنصر،واستطاعوا القضاء على ما يزيد عن 50عسكريا وإصابة 200جريح! انخرط الشيخ أحمد حماني في ملحمة الجهاد بعد اندلاع ثورة نوفمبر1954 وألقي عليه القبض في سنة 1957 وعرف محنة السجن وصنوف التنكيل والتعذيب على يد قوات المحتل وقد مكث في السجن حتى سنة 1962 تاريخ استعادة الجزائر استقلالها. ظل الشيخ أحمد حماني -رحمه الله- وفيا لمبادئ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تعلم في مدارسها وعلم في معاهدها وناضل في صفوفها وكتب في جرائدها زالشهابس وسالبصائرس. وبعد إعادة بعث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى النشاط في سنة 1991 انتخب من طرف إخوانه العلماء رئيسا لها وتولى إدارة جريدة البصائر لسان حال الجمعية في سلسلتها الثالثة من 1992إلى ماي.1993 ظل الشيخ أحمد حماني راسخا في مبدئه ومحافظا على موقفه الداعي إلى وأد الفتنة وحقن الدماء ونبذ العنف وتفضيل مسعى الصلح والمصالحة بين الجزائريين، لقد جلب له هذا الموقف الشجاع والمتبصر الكثير من المتاعب والعداوات والانتقادات في أوساط فرقاء الأزمة وأنصار المواجهة وتغليب منطق الصدام. وحتى قبل هذا التاريخ، أي قبل الدخول في نفق الأزمة الدموية التي عصفت بمقدرات الجزائر طوال أكثر من عشرية كاملة من العنف والدم، كان منتقدو الشيخ حماني يتهمونه بالخضوع لرغبات النظام والإفتاء حسب توجيهات السلطة السياسية وأحسن من رد على كل هذه الافتراءات والأباطيل فضيلة الشيخ الجليل الطاهر آيت علجت بقوله: زإن الشباب الذين ينقمون على الشيخ أحمد حماني ولاءه للسلطة أصبحوا بعد موته يقرؤون كتبه التي يجدون فيها كنوزا عظيمة يجادلون بها ويقدمونها لأنهم أدركوا أنه كان علامة وأنه كان وطنيا وطنية صحيحةس. ومما ذكره الأستاذ التهامي مجوري في مقال له بعنوان: (في ذكرى وفاة عميد الدعوة الإسلامية في الجزائر) منشور في موقع الشهاب الالكتروني: زأن شابا جاء ذات يوم يستفتي الشيح أحمد سحنون ?رحمه الله- في مسألة، فقال له: اذهب إلى الشيخ أحمد حماني فإنه أحسن من يفيدك في هذه المسألة، فرد عليه الشاب: أنا لا أثق في الشيخ حماني ، وكان الشيخ حماني، رحمه الله، يومها رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى، فقال له الشيخ: إذا كنت لا تثق في حماني ففي من تثق إذن؟س وهذه الشهادة تكاد تطابق ما سمعته بأذني من شقيقي الأكبر الشيخ محمد الشريف، الذي كان في السبعينيات إماما متطوعا بمسجد زالسلامس بمناخ فرنسا بأعالي باب الوادي، فقد روى لي أنه ذهب ذات يوم مع جماعة من أعضاء اللجنة الدينية لمسجد زالسلامس إلى الشيخ أحمد سحنون ?رحمه الله- بمسجد زالنصرس بباب الوادي، وسألوه عن رأيه في بعض المشايخ المعروفين من أعضاء جمعية العلماء الذين تولوا مناصب هامة في وزارة الشؤون الدينية، فذكر لهم الشيخ أحمد حماني بكل خير وأثنى على علمه ودينه ، فتعجب أخي ومن معه من كلام الشيخ سحنون الذي كان يعتبر رمزا ومرجعية للأئمة الأحرار الرافضين للوظيفة في المناصب الحكومية، في الشيخ حماني الذي كانوا يعتبرونه آنذاك من موظفي النظام ، واستدرك أخي محمد الشريف قائلا: لقد تعلمت منذ ذلك اليوم درسا في أخلاق العلماء وفي ضرورة عدم التسرع في الحكم على الرجال عن طريق الأقوال التي تشاع عنهم هنا وهناك! ومن الشهادات القيمة التي قيلت في العلامة الشيخ أحمد حماني شهادة الأستاذ محمد الصغير بلعلام الإطار السابق بوزارة الشؤون الدينية التي أدلى بها في الحفل الذي نظمته جريدة زالشروق اليوميس في سنة 2010 لتكريم ذكرى الشيخ أحمد حماني فقال: زطلب منا عند تأسيس الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط إصدار فتوى لتشجيع الناس على وضع أموالهم في الصندوق، غير أن حماني رفض ولم يصدرها، وعقدنا اجتماعا درسنا الموضوع وقال بأن وضع الأموال في الصندوق يدخل ضمن الربا، كما رفض إصدار فتوى تبيح إنتاج زبيراس بدون خمور سنة ,1973 تحت اسم مالطا ورغم الضغوط التي خضع لها أصر على تطبيق القاعدة الفقهية القائلة : ما أسكر كثيره فقليله حرام.س وفي هذا الحفل التكريمي كان الزميل علي فضيل مدير مؤسسة الشروق قد وعد بطبع أعمال الشيخ أحمد حماني التي لم تنشر حتى لا تضيع وتصل الأمانة للأجيال، نرجو أن يتجسد هذا الوعد وأن يعاد الاعتبار لهذا العالم الجليل الذي كان وما زال مرجعا فقهيا في المذهب المالكي، في الجزائر وفي العالم الإسلامي. ولابد من التنويه بمبادرة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي أصدرت في 2012 كتابا بعنوان زالفتوى الوطنية في فكر الشيخ أحمد حمانيس.رحم الشيخ أحمد حماني عالم الجزائر وفقيهها المجتهد الذي كان أول من أفتى في العالم الإسلامي في العصر الحديث بجواز نقل الأعضاء البشرية لأغراض طبية.