عندما يخطئ الإخوان أو الإسلاميون، فإن هذا ليس حجة أبدا لتزيين الإنقلاب العسكري، وتسمية القط أسدا. بعد الذي حدث في مصر من ز انقلاب عسكري ز على الرئيس محمد مرسى لم تعد للإنتخابات في الوطن العربي معنى ولم يعد الصندوق أهم وسيلة تعبير ديمقراطي، ما يفتح الباب واسعا على التطرف. فإذا لم يكن الصندوق هو الحكم بين الشعوب وبين الأحزاب، فبدون شك سيتم الإحتكام لوسائل أسوأ، وعندما تصبح المؤسسة العسكرية، وهي أهم مؤسسة في كل البلدان، منحازة لجزء من الشعب فليستبشر الناس بالخراب. 14 سنة عن قمة إفريقيا التي تدين الإنقلاب في عام 1999 انعقدت القمة الإفريقية في الجزائر واتخذت قرارا بالغ الأهمية يتمثل في رفض الإعتراف بالأنظمة الإنقلابية، بهدف محاصرة هذا السلوك السياسي القبيح الذي تتميز به الدول الإفريقية والذي ينزع السلطة من يد الشعب ويضعها في يد الإنقلابيين، والذي ولّد عدم الإستقرار واستهلاك الثروات والحد من التنمية. كذلك شخصت قمة الجزائر أنظمة الحكم وخلصت إلى أن النظام الديمقراطي هو ز أحسن وسيلة سيئة ز للحكم، على اعتبار أن لكل نظام مساوئه ولا يوجد نظام مثالي يجب الأخذ به. إذن قرّر القادة الأفارقة قبل 14 سنة مباركة الديمقراطية ورفض الإنقلابات العسكرية. لكن منذ ذلك الحين حدثت عدة انقلابات منها انقلاب موريتانيا وانقلاب مالي، لكن أهمها الإنقلاب العسكري الحاصل مؤخرا في مصر، لأن العالم كان شاهدا على الديمقراطية التي وصل بها محمد مرسى إلى الحكم. الغريب في الحدث المصري، أن الجيش احتكم إلى جزء من الشارع، وقرر الإنقلاب، لكن الشارع الآخر قرر محاكمته والزج بقادته في السجون، ما يعني أن ثورة 30 يونيو كانت ثورة مضادة لثورة 25 يناير، لأن السلوكات السياسية التي تحكمت في المشهد السياسي المصري في عصر مبارك هي التي عادت للتحكم في المشهد المصري بعد الإنقلاب. ثم لماذا لم يسمع الجيش في مصر للحشود المؤيدة للشرعية والمطالبة بعودة مرسي ؟ ألا يؤكد هذا فعلا أن ما حدث هو انقلاب وأن الجيش المصري انحاز لجزء من الشعب على حساب جزء آخر، وهو ما جعل الإسلاميين في مصر يشعرون أن الجيش انحاز للتيار الليبرالي على حسابهم. حتى لو اتفقنا أن الإسلاميين بصفة عامة لا يعرفون ممارسة الفعل السياسي وأنهم إقصائيون، فإن هذا الإتفاق لا ينبغي أن يجعلنا كنخبة على الأقل نشجع الفعل الإنقلابي ونسمي الإنقلاب ثورة. بينت التجارب البشرية أن الدكتاتورية قد تؤدي إلى الإنقلاب أو إلى الثورة، لكن الثورة إذا انحرفت قد تؤدي إلى الإنقلاب. شرعية الثورة وشرعية الصناديق إن الإتحاد الإفريقي سمى الأسماء بمسمياتها وقرر تجميد عضوية مصر في الإتحاد إلى غاية انتخاب رئيس مدني، مثلما فعل مع مالي وموريتانيا، ومعلوم أن الإتحاد الإفريقي ليس له وزن سياسي مؤثر، لأن دوله ليست من الدول المانحة وليست من المتحكمة في قرارات المجتمع الدولى، لذلك تطلعت الأنظار لمواقف القوى العظمى التي في معظمها لم تسم الإنقلاب العسكري انقلابا في مصر، بينما أسمته باسمه في مالي وموريتانيا. يحدث في مصر وأمريكا على وجه الخصوص اجتهاد سياسي وإعلامي لتزيين الإنقلاب العسكري وجعله شرعيا. ومن بين الإجتهادات أن الفضائيات المصرية التي تشن حملة كراهية على الإخوان وصفت الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي المنتخب ب ز الدكتاتوري ز ، لكنها تصف الإعلان الدستوري للرئيس المؤقت الذي عيّنه العسكر بالديمقراطي، بدليل أن حركة ز تمرد ز وهي الطرف الأساسي في ز اعتصام 30 يونيو ز وصفت الإعلان الدستوري ب زالدكتاتورية الجديدة ز. لقد تمت محاربة الشرعية بعبارات فلسفية دعائية غير مفهومة، كقولهم بأن الشرعية الثورية أعلى من شرعية الصناديق، والحقيقة أن الشرعية الثورية تنتهي عندما تبدأ شرعية الصناديق، وإذا لم يكن ذلك فإنه يستحيل على أي بلد أن يعرف الإستقرار. نهاية مفعول النفط القضية الأخرى هي أن الخصوم في مصر يراهنون على موقف الولاياتالمتحدة، والبيت الأبيض يبدو منحازا للإنقلابيين العسكر، لأنه لأول مرة في تاريخ مصر يصل إلى قيادة الجيش ضباط تكونوا في الولاياتالمتحدة وتشبعوا بالعقيدة العسكرية الأمريكية وعلى رأسهم ز السيسي ز. وربما لذلك لم تطبق أمريكا القانون الذي يجمد المساعدات للدول الإنقلابية، ما يوحي بأن أمريكا موافقة تماما على الإنقلاب. من جهة أخرى تنظر أمريكا لمصر بنوع من الحساسية لأن المساعدات التي تقدمها أمريكا لمصر هي مساعدات للحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد للسلام الموقعة مع إسرائيل عام 1979 . وتعتقد أمريكا ومعها إسرائيل أن الإسلاميين غير موثوق فيهم بخصوص السلام مع إسرائيل. السؤال الآن هو هل تؤدي المراهنة على القوى الخارجية إلى استقرار مصر وهل تستطيع القوى الخارجية ضمان عدم حدوث انفلات أمني في البلاد ؟ يرى كثير من المحللين أن أمريكا لم تعد تهتم كثيرا بالشرق الأوسط، وحولت اهتماماتها لدول آسيا، لأن العامل الأساسي الذي جعل أمريكا خلال الخمسين سنة الأخيرة تهتم بالمنطقة هو عامل النفط، أما اليوم فلم يعد النفط عاملا حاسما في السياسة الخارجية لأمريكا لأن التقديرات تشير إلى أنها سوف تصبح دولة مصدرة للنفط بحلول عام 2015 فقط. وهذا ما يفسر لجوئها إلى سحب قواتها من العراق ثم أفغانستان ورفض إرسال قوات إلى مالي. مارشال خليجي لمصر واستباقا لأي تطور لا تحمد عقباه، قررت كل من السعودية والإمارات وهما دولتان معروفتان بمعاداة ز تيار الإخوان ز تقديم دعما ماليا لمصر مباشرة بعد الإنقلاب على محمد مرسى بقيمة 8 مليار دولار، 5 مليار من السعودية و3 مليارات من الإمارات، نصف المبلغ منحة ونصفه ودائع بدون فوائد. وهو ما تم وصفه مشروع مارشال خليجي لدعم الإنقلاب. كان واضحا من البداية أن الثورات التي قامت بها بعض الشعوب العربية بحاجة لمزيد من الوقت لكي تنضج وتنجح، فكل الثورات الكبرى عبر التاريخ لم تتضح معالم نجاحها قبل أقل من 10 سنوات، في زمن لم تكن فيه وسائل الإتصال متطورة، بمعنى أن عناصر التشويش على الثورة كانت قليلة، لكن اليوم عن طريق الفضائيات ووسائل الإتصال والأنترنيت والشبكات الإجتماعية ، ومع تشابك المصالح الدولية يصبح نجاح الثورة في غاية الصعوبة، لذلك لحد اليوم لم ينبت الربيع العربي ورودا. لأن أعداء التغيير كثيرون.