نقاش حاد وواعي ميز الجلسة الثانية خلال ندوة «مصدر الشرعية السياسية في العالم العربي» أول أمس حيث قدم بعض الحضور من المختصين في الحقل السياسي والإعلامي رؤاهم المختلفة وقراءات عديدة للولوج إلى عصب الراهن العربي الذي تمزقه الثورات الداخلية المطالبة بالتغيير سواء كان بنية التغييربسبب الفساد الذي عشعش في قمقم السلط العربي المستبدة أو بإيعاز من مخابر خارجية إستخباراتية بسبب تصاعد القوى الثورية التي إعتمدت على الفايسبوك والتويتر لتحريك الشارع العربي المكبوت سياسيا وضمن الآراء التي جمعناها الإعلامي والكاتب الصحفي سهيل الخالدي: « عن أي شرعية نتحدث ولمن؟ « تساءل الإعلامي والكاتب الصحفي كيف يجيب على قراءات علم الاجتماع في العالم على الظواهر التي يعيشها العالم العربي، لأنه يستحيل تطبيق أدوات علم الاجتماع على الحالة العربية، لأنه حسبه النظام العربي يتقاطع فيه مفهومي الشرعية والمشروعية، وأضاف المجتمع العربي لم ينتج شيئا ولكنه يمتلك المال والريع، وأضاف في سياق جلسة النقاش التي أعقبت مداخلة «كمصادر الشرعية السياسية في العالم العربي» أن القوة في العالم الثالث والعالم العربي باستثناء الجيش الجزائري والجيش الفيتنامي كل الجيوش أسسها ووضعها لبنتها الأولى الاستعمار وتستند إلى العقيدة الاستعمارية سواء الفرنسية أو الأمريكية وهذه القوة لا يملكها المجتمع وتساءل بنبرة غاضبة ماذا يقول علم الاجتماع العالمي عن إعلان دولي وثقافي يتلاعب بالعقل الإنساني ومن خارج المخططات والبرامج الإستراتيجية في أي دولة لا يصنعها رجال ذات الأمة ولا مثقفوها بل تفرض عليهم وفق أجندات ومخابر الاستعلامات الغربية، وأضاف الإعلامي سهيل الخالدي أن المسألة الدينية بمصر مطروحة منذ سنة 1914 حيث استشهد بمقولة وزير الخارجية الأمريكي جون دالاس فوستر الذي مفاده أن «العدو القادم للغرب هو الإسلام ووجب وضع خادم للحرمين الشريفين وبالتالي استشرف الآخر أو الغرب خطورة الإسلام على مصالحهم مبكرا وتساءل عن أي شرعية نتحدث ولمن؟ بما أن من لا ينتجه مجتمع من قوة وعقل. الدكتور أمين الزاوي: «يجب أن لا نحمل الغرب انهيارنا، فظاهرة السلفية والوهابية جاءت من المشرق « تساءل الدكتور والروائي أمين الزاوي عن سر التخوف من الغرب الذي نتهمه دوما بالتآمر على العالم العربي وهو مصدر المشاكل والأزمات مؤكدا في سياقها أن المخاطر الحقيقية تأتينا من الشرق فظاهرة السلفية والوهابية وأمراض خطيرة عديدة على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي وبالتالي يجب أن لا نحمل الغرب انهيارنا، وسقوطنا ومشاكلنا، واعترف الدكتور أمين الزاوي أن الغرب كان له مخاطر خلال المرحلة الاستعمارية وفترة معينة ودعا المثقفين والعرب عموما إلى الابتعاد عن هذا الخطاب وعلينا أن نبتعد عن مسألة الخوف من الغرب وكأنه بعبع· تساءل الدكتور أمين الزاوي في سياقها هل خرجنا من ثقافة الخلافة مؤكدا أن العالم العربي كله لم يتخلص ولم يخرج من ثقافة الخلافة ولم تنتج ثقافة أخرى تخلص الرمزية والذهنية العربية من مفهوم الخلافة وما يعيشه العالم العربي هو مجرد جمهوريات تعيش في جلباب السلط كما أضاف أننا نعيش بين بقايا النظام الكولونيالي والنظام الشرقي وهذه الوضعية الغير سوية تنتج قلقا وإرباكا على مستوى بنية السلطة والشرعية، وأكد أمين الزاوي أن مشكلة الشرعية والمشروعية في العالم العربي ترجع إلى كيفية ومنهجية تدريس التاريخ، فالغرب يدرس التاريخ ويوظفه لتكريس شرعية ما على المستوى الرمزي وعلى مستوى الأجيال، كما أن الأمم الأخرى تعيش الأجيال من خلال التخيل والمخيال مؤكدا في غضونها أننا أمام إشكال خطير وكبير جدا في العالم العربي لأننا نخلط ولا نفرق بين الناسوت واللاهوت والثابت والمتغير حتى داخل بنية النخب، وختم الدكتور أمين الزاوي مداخلته أمام هذه الأزمة والهزات الداخلية والخارجية للنظام العربي وعلى المستوى السياسي هل الدولة العلمانية هي الحل؟ الدكتور خالد اسماعيل: « مصادر السلطة في البلدان العربية لا تختلف كثيرا عن مصادرها في الغرب « أكد الدكتور خالد اسماعيل أن مصادر السلطة في البلدان العربية لا تختلف كثيرا عن مصادرها في الغرب ومنها الولاياتالمتحدة، مثلا التي تتشكل أساسا من الجمهوريين والديمقراطيين الذين ثمة عقد بينهم من خلاله التداول على السلطة وهم من يقررون من يكون الرئيس أما في فرنسا فهناك حوالي 60 عائلة تتناوب على استلام السلطة أما في الوطن العربي فالديمقراطية ماتزال تستند إلى قيم القبلية والجهوية الشعبوية ومصدر هذه السلطة في هذه الحالة هو التاريخ والدين والقبلية والمال وهي ذات الظواهر المطروحة في الغرب مؤكدا وجود ثقافة واحدة آتية من الغرب هي التي نحتكم اليها. الدكتور نور الدين جباب : « ماكس فيبر أغفل الشرعية الايديولوجية وسلطة المحاربين « تساءل الدكتور نور الدين جباب عن لماذا التركيز على أزمة الشرعية والمشروعية دون التفصيل في مصادر الشرعية السياسية ؟ ، وقال أنه في الوعي العام فإن الشرعية هي مصدر العقد الاجتماعي - الدستور - في العالم العربي، وأشار أن هناك شرعية أخرى لم يتناولها عالم الاجتماع ماكس فيبر وهي الشرعية الايديولوجية، سلطة المحاربين التي شكلت الشرعية الجديدة بعد الثورات و الحركات التحررية والتي من المفروض أن نتناولها بالتحليل والدراسة بعمق لفهم آلياتها وقوتها ومسارها لأن هذه الشرعية ألغت الدولة والمجتمع واستحوذت على القوة وهيمنت على المجتمع، ومن هنا سنفهم الربيع العربي، فقد تحولنا في العالم العربي من دولة بوليسية إلى دولة أمنية وصولا إلى الأزمة وقد أوصلنا ذلك النسق إلى مأزق التوريث وأكد الدكتور أن العقد الاجتماعي في العالم العربي غائب· المؤرخ محمد عباس : « الوطنيين التقدميين الجزائريين لم يستطيعوا تأمين مشروعهم التحرري « قال الباحث في التاريخ محمد عباس أنه الجزائر امتلكت في الماضي مشروعا وطنيا للتحرر ويعكس في طياته الأبعاد الثقافية والسياسية والإيديولوجية واعترف في سياقها أنه خلال مرحلة الإستعمارية كان للجزائر مجتمعا منسجما وتحقق الإجماع وذلك لأن الإستعمار كان سلطة خارج المجتمع وما نعيشه الآن من أزمة في المشروعية راجع على التناقضات الموجودة بين الجيلين من السياسيين الذين أٍسسوا قواعدها وهي مشكلة أساسا من النخبة المتوسطة والقادة الذين ساروا بالشعب للثورة والتغيير وهذا النظام كان له شرعية لحد ما وأشار الآن المشروعية بالدرجة الأولى هي مشروعية برنامج وهذا البرنامج التحرري توقف وكبح في مرحلة معينة وهذه القطيعة حالت دون مواصلة أهداف المشروع وأوضح أننا في الجزائر لم نحرز التحرر الإقتصادي وعملت فرنسا الإستعمارية على تنظيم التبعية السياسية والثقافية و الإقتصادية كما أنها سرقت الأرشيف الجزائري واعترف أن الوطنيين التقدميين الجزائريين لم يستطيعوا تأمين مشروعهم لضمان نجاحه واستمراره عبر الأجيال كما تأسف الأستاذ محمد عباس أن الثورة الجزائرية العظيمة بقيمها العالمية وذات الصيت العالمي تولدت عنها ثورة مضادة للأسف. الدكتور محمد قماري : « الغرب ليس جمعية خيرية « سجل الدكتور محمد قماري أنه ثمة كبح ذاتي للطرح موضوع اللقاء والإشكالية وأكد أن الغرب ليست نواياه بريئة اتجاه العالم العربي لأن الغرب ليس جمعية خيرية واستشهد بوصية نابليون للقائد الفرنسي كليبر و مطالبته له بتكوين حزب فرنسا في الجزائر وذلك بتكوين أكثر من 5000 جزائري في فرنسا وغرسهم في مفاصل الإدارة وغرسها في القطاعات ليبقوا في خدمة فرنسا وذرعا لها وأكد أن الوثيقة التي تثبت ذلك موجودة في مكتبة الأٍرشيف الفرنسي لمن يريد الإطلاع على محتواها مؤكدا أن العالم العربي يعاني من أزمة تشظي النخب وتحللها.