استطاع حزب جبهة التحرير الوطني أن يجتاز المرحلة الأولى من سعيه للخروج من أزمته، وذلك عندما احتكم الجميع بكل انضباط لقرار الصندوق الشفاف، وقبول نتيجة التصويت، لكن هذا الإنجاز الديمقراطي يجب أن يكتمل، من خلال تجاوز الخلافات القائمة والذهاب إلى دورة هادئة وناجحة للجنة المركزية ، تفضي إلى انتخاب أمين عام للحزب، يحظى بثقة القيادة والمناضلين. السؤال الذي يطرح في هذا المقام هو: كيف يمكن الحفاظ على هذا التقليد الديمقراطي الجدير بالتثمين؟ الإجابة تكون من خلال تكريس مبدأ الاحتكام للصندوق خلال عملية اختيار الأمين العام الجديد بعد ضبط قائمة المترشحين والقبول بالنتائج مهما كانت، مع ضرورة مراعاة الحرص على مصلحة الحزب. هذه المعادلة الصعبة بالنظر إلى طبيعة الصراعات واختلاف الأهواء وتداخل الأجندات، بدأت معالمها تظهر مباشرة بعد ذلك الانجاز، وهذا ما يجسده الاختلاف حول مكان انعقاد اللجنة المركزية المقرر تنظيمها يومي 29 و 30 من هذا الشهر. إن حزب جبهة التحرير الوطني يملك من القوانين والنظم والإجراءات والتقاليد ما يمكنه من تجاوز الصعاب كما فعل دوما، وهذا من خلال الاحتكام لإرادة أعضاء اللجنة المركزية وحرصهم الأكيد على وحدة حزبهم واستعدادهم للتنازل على ما قد يراه البعض صوابا لصالح العمل المشترك الذي يرضي كل الأطراف وتمليه مصلحة الحزب أولا وأخيرا. من هذا المنطلق يمكن القول بأن إمكانية الانفراج تبدو ممكنة، كما أن الأيام- على قلتها- التي تفصلنا عن انعقاد دورة اللجنة المركزية كفيلة ببلورة تصور توافقي ترضى عنه كل الأطراف، ذلك أن تقسيم الحزب مرفوض ولا يمكن أن يقبل به أي مناضل، في القيادة أو في القاعدة.إن المرحلة الراهنة تحتاج إلى الكثير من الجهود الصادقة، من كل عضو في اللجنة المركزية، للعمل من أجل الخروج من هذه الأزمة أكثر قوة وتوحدا وانضباطا. وبغض النظر عن المرشحين لتولي منصب الأمين العام، فإن الأهم بالنسبة للحزب وللمناضلين هو الخروج من حالة الانسداد والحفاظ على وحدة الحزب وضمان استمرار ريادته السياسية. فإذا كانت مصلحة الحزب هي التي دفعت إلى الاحتكام إلى الصندوق في سحب الثقة من الأمين العام السابق ، فإن تلك المصلحة تقتضي العمل من أجل التوافق والاتفاق على ما يجمع والابتعاد عن كل ما يفرق. ويعد رفض الأغلبية لانعقاد لجنة مركزية مقسمة في حد ذاته دليلا واضحا على الوعي والشعور بالمسؤولية بأهمية وحدة الحزب وعدم المغامرة بهذه الوحدة أو التلاعب بمصير الحزب ومستقبله، ذلك أن الأمين العام الذي سينبثق عن هذه الدورة هو أمين عام لحزب جبهة التحرير الوطني، الموالين والمعارضين، وليس أمينا عاما لمجموعة أو فصيل. للإشارة فقط، فإن حزب جبهة التحرير الوطني قد عرف مثل هذه التجاذبات في السنوات القلية الماضية، لكنه استطاع أن يجد لها المخارج الملائمة التي تحفظ تماسك مناضليه ووحدة صفوفه. إذن، الحل ليس مستحيلا وإمكانية الخروج من هذا المأزق السياسي ممكنة جدا، وهذه أيضا تعد خاصية إيجابية في تاريخ الحزب، الذي يعرف دوما كيف يتجنب الانقسام ويخرج من الانسداد بأقل الخسائر، مثلما دلت على ذلك العديد من التجارب، حيث انتصرت إرادة الرجال لمصلحة الحزب العليا، التي يجب أن تتجسد هذه المرة في انعقاد دورة اللجنة المركزية في موعدها المحدد وفي المكان المتفق عليه وبحضور قيادة الحزب كاملة. إذن فليكون الاختلاف طريقا للإتفاق .