تبابوشت هو اسم قمة صخرية ناتئة في ممر ضيق على حافة منطقة الأوراس وعلى جانب غابة شاسعة من أشجار الصنوبر لشيليا التي تمتد إلى الجهة الجنوبية إلى غاية الحدود الشمالية للصحراء. وكانت »تبابوشت« أيضا مسرحا لتلك المعركة الأولى الكبرى التي خاضها بواسل جنود جيش التحرير الوطني وكذا موقع انتصارهم الأول الذي يتذكر فيه سكان مشاتي كيمل ومجمل منطقة آريس تلك الحركة الدؤوبة ذهابا وإيابا لشاحنات الجيش الاستعماري طيلة 4 أيام كاملة وهي تنقل جثث الجنود الفرنسيين الذي قتلوا خلال هذه المعركة التاريخية التي نشبت يوم 7 ديسمبر 1954 أي بعد 5 أسابيع فقط من اندلاع ثورة التحرير المظفرة. ولا تزال ذاكرة جودي كيور رغم ثقل السنين »85 سنة« تتذكر أسماء أولئك المجاهدين الذين خاضوا تلك المعركة ولا يزالون على قيد الحياة من أمثال لوصيفي لخضر محمد بن عمر بيوش بوجنيفة الشريف عمار مستيري جرمون محمد وبوبكر سالمي من خنشلة كما لا يزال يتذكر تلك المجموعة التي تضم 55 مجاهدا بقيادة صبايحي محمد بوزحاف مسعود وسيدي حني والتي أقبلت يوم 6 ديسمبر 1954 بمنطقة لمصارة عند أولاد أحمد أمزيان، حيث حظيت بتقديم العشاء لها قبل أن يغادر أفرادها تحت جنح الظلام إلى المكان المسمى معيزة وهو مكان غير بعيد عن مشتة كيمل. هنا نشبت هذه المعركة الشهيرة بعدما تفطن حراس جيش التحرير الوطني خلال نفس الليلة إلى وصول حشود كبيرة من جيش العدو من الشرق والغربس كما يؤكد سي جودي. جحيم الحصار وباليه- الطيارات الصفراء- بانان: ولم يكن أمام المجاهدين من خيار سوى التراجع نحو المكان الأكثر آمانا والذي توفره هذه الطبيعة الجبلية صعبة التضاريس وهو ذلك المعبر الملتوي المسمى صفاح اللوز على قمة تبابوشت العالية. وفي السابع من شهر ديسمبر 1954 على الساعة السابعة و30 دقيقة كان الحصار آخذ في إحكام الطوق حول مجموعات المجاهدين ولكن يقظة هؤلاء من جهة وصعوبة التضاريس المنكسرة من جهة أخرى جعلا انطلاق المعركة يتأخر لبعض الوقت. كانت قوات العدو الاستعماري غير قابلة للعد بينما قذفت طائرات الهيليكوبتر بقوات أخرى على الأرض بدون انقطاع في محيط الميدان الذي شهد حسب بعض الشهادات ليس أقل من 200 عملية هبوط للطائرات الصفراء المدعوة بانان وهي طائرات مختصة في نقل الجنود وقت المعارك. وبكل أسى ومشاعر فياضة يستعيد جودي صورة المجاهد الشهيد صبايحي محمد لذي أصيب بجروح بليغة مباشرة بعد الطلقات الأولى للمعركة قائلا لقد قام أحد رفقاءه بتسلم بندقيته فيما فضل الجريح التمسك بمسدسه الذي كان يحمله في حزامه والذي قضى به الشهيد صبايحي - فيما بعد- على عدد من مهاجميه من عساكر العدو الفرحين بإمكانية أسر أحد الفلاقة قبل أن تطير روحه إلى بارئها. ورغم شدة المعركة وحجم النيران التي استهدفت هذه القمة الجبلية التي شكلت ميدان مواجهة دامية تمكن العديد من الجنود من التسرب خارج الطوق الناري منتهزين فرصة قرب أحد الأودية المجانبة للصخور. أما أولئك المحاصرين الذين لم يستطيعوا حفر خنادق حيث ما كان ذلك ممكنا فقد استفادوا مع ذلك من امتياز الصعوبة القصوي للموقع الطبيعي في وجه المهاجمين وهنا تمكن عمار العايب من خرق الحصار المفروض مع 13 من جنوده كما استعمل عمار مستيري وناصر سوفي من جهتهم الخداع للخروج مع 5 جنود آخرين فيما بقي داخل المعركة 34 مجاهدا قاوموا من وراء الصخور جحيم النار الذي كانت تقذفه القوات الاستعمارية الباغية . كان الضغط رهيبا كما يقول جودي كيور العساكر الفرنسيين يأتون من كل الجهات وكانت أوامرهم تقضي بأسر جنود أحياء من أجل الحصول على القدر الأكبر الممكن من المعلومات ذلك لكون العدو إلى غاية هذا التاريخ كان يبدى بوضوح قلة معلومات حول مدى اتساع وتنظيم الثورة. ويقول شاهد أخر وهو المجاهد جرمون محمد بأن إمدادات العدو المقبلة من مختلف الجهات خلقت لحسن الحظ خلطا جعل عساكر الاستعمار يقتتلون خلال ساعات فيما بينهم كأنهم أصيبوا بنوع من العمى تحت أنظار جنود جيش التحرير الذين بقوا متخفين داخل خنادق طبيعية منحتها إياهم قمة تبابوشت. كفاح الشعب من أجل حريته وكان الضباط الفرنسيون يعطون أوامرهم لدفع الجنود نحو الهجوم ولا أحد بإمكانه الرجوع إلى الوراء وما أنقذ المجاهدين من أسر حقيقي يكمن في كون قوات العدو التي كانت تطلق نيرانها من الجهات الأربعة لهذا المدرج الطبيعي الجبلي لم تكن تعلم أن جنودها كانوا يسقطون بأعداد هامة تحت وابل نيرانهم.وقد استمر هذا الخطأ غير المعقول كما يتبادر للذهن لفترة من الزمن كما يتذكر جودي كيور الذي أوضح أن دور المجاهدين اقتصر في تلك الأثناء على مساعدة العدو على القيام بالعمل في مكاننا. ومن الواضح - يضيف هذا المجاهد المسن أن الفرنسيين قد ارتكبوا يومها خطأ جسيما بخصوص الحجم الحقيقي لوحدة جيش التحرير الوطني الذي كان يواجهها في تلك المعركة. وبعد هدنة استمرت برهة من الزمن لجأ الجيش الاستعماري إلى المخازنية ليطلقوا نداءاتهم عبر مكبرات الصوت يا أبناء بني بوسليمان السراحنة الطوابة وبني مريم لقد غرر بكم . إن فرنسا قوية هي القوة الثالثة في العالم. من المستحيل الانتصار عليها. استسلموا وستنجون بأنفسكم ستسامحكم فرنسا وستحميكم ستحضون بمعاملة حسنة. ومثلت هذه الرغبة في الحوار والانتصار على الجنود بدون تلقي خسائر أخرى أكبر وأمر حدث تاريخي حسب ما ذهب إليه جودي كيور. لقد أثبتت هذه المعركة الأولى الكبيرة لجيش التحرير الوطني في ربوع الأوراس الأشم لفرنسا الاستعمارية حتى ولو أنها أنكرت ذلك لبعض الوقت أن المسألة تتجاوز تمردا يمكن السيطرة عليه وتعبر عن ثورة شعب يناضل من أجل حريته واستقلاله.