انطلاق أشغال المؤتمر الوطني ال8 للفدرالية الجزائرية للصيدلة    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم الطبعة ال52 لنهائي كأس الجزائر العسكرية لكرة القدم    المهرجان الدولي للسياحة الصحراوية : دعم أنشطة حرفيي الصناعة التقليدية باعتبارها من روافد الاقتصاد الوطني    مراد ينصب والي أم البواقي الجديد    الجلفة: فاطمة الزهراء بن عراب تتوج بجائزة في فئة الكتاب المصور للأطفال بالإمارات العربية    المجلس الأعلى للغة العربية يقدم آخر إصداراته بصالون الكتاب    اعلان قيام دولة فلسطين محطة مفصلية رسخت جهود الجزائر الداعمة للشعب الفلسطيني    تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2025: المجموعة الخامسة -الجولة الخامسة: تعادل غينيا الاستوائية والجزائر )0-0(    رئيس الجمهورية يشرف على انطلاق نهائي كأس الجزائر العسكرية لكرة القدم    اليوم العالمي للسكري: تنظيم أنشطة تحسيسية وفحوصات طبية طوعية بأدرار    إطلاق حملات تحسيسية حول الكشف المبكر لمرض السكري    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 43736 شهيدا و103370 مصابا    المحكمة الدستورية تشارك بأرمينيا في أشغال الاجتماع 21 المختلط حول القضاء الدستوري    رئيس الجمهورية يعزي في وفاة الشيخ سيدي عبد المطلب التيجاني    الديناميكية المتواصلة للاقتصاد الجزائري سمحت برفع معدل النمو    الجزائر-الكونغو: التوقيع على بروتوكول اتفاق في مجالي الجيولوجيا والمناجم    البوليساريو تجدد مطالبة مجلس الأمن بالتعجيل في تفعيل المسؤولية القانونية والأخلاقية للأمم المتحدة تجاه الشعب الصحراوي    إقبال واسع للزوار على جناح جامع الجزائر في أول مشاركة له بصالون الكتاب    حوادث الطرقات: وفاة 53 شخصا وإصابة 232 آخرين خلال أسبوع    سيلا 2024: دعوة إلى تثمين الشعر الثوري    مجلس الأمة: السيد فايد يعرض نص قانون المالية ل2025    الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم : الجزائري وليد صادي يعلن ترشحه رسميا لعضوية اللجنة التنفيذية للكاف    إبرام اتفاق مع جمعية الفجر    الدرك يفكّك عصابة تزوير واحتيال    مشروع إنجاز قطب حضري عمراني كبير ببودواو    كيف يخطط نتنياهو لتغيير الشرق الأوسط؟    عصرنة الخدمات على طاولة الحكومة    بداوي يُشدّد على كبح الجريمة    إحباط محاولات إدخال 9 قناطير من الكيف    الأمل في الله.. إيمان وحياة    شياخة يسرد تفاصيل مؤثرة عن دعم عائلته    بن جامع يدعو لفرض وقف إطلاق النار في غزّة    لن نسامحكم..    التصريح الجزائري في قمة الرياض لا يدعو إلى إعادة الحظر العربي ل1973    عقب جلسة التصويت على مشروع قانون المالية لسنة ،2025،فايد:    منظمة حماية المستهلك تطلق حملتها الموسمية    "الرائد" في تنقل صعب و"العميد" و"الحمراوة" لخطف الريادة    مازة في مفكرة أتليتيكو مدريد الإسباني    أمين شياخة فخور بأول استدعاء له مع "الخضر"    الجامعة العربية تحثّ كافة المؤسسات على تحمّل مسؤولياتها    جدي يفصّل "النقد ونقد النقد" عند طرابيشي    المطالبة برسم سياسة وطنية للكتاب    في روايتي الجديدة أسئلة عديدة حول الكتابة    الاستثمارات ستساهم ب30% في الناتج الداخلي في 2025    أكتب عن تاريخنا القديم لتصفيته من الأكاذيب الاستعمارية    التكفّل بدفع الأجور والعلاوات لمستخدمي قطاع الصحة    الجزائر تترأس لجنة "إيكات" لسمك التونة بقبرص    توقيف 22 متورطا في عدة قضايا    حكم إيفواري يدير لقاء الجزائر    مروجا المهلوسات بتيغنيف في قبضة الشرطة    مشاركون في ندوة "الصوفية إرث وحضارة" : الزوايا قاومت الإستعمار.. وإرثها التراثي والحضاري لا يمكن تجاهله    الجهاد في سبيل الله    لجنة مشتركة لمتابعة تهيئة شبكة السكة الحديدية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    إنتاج أدوية السرطان أولوية    دعوة لتطوير الممارسة الصيدلانية في الجزائر    إلا أن يتغمدنا الله برحمته    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جزائر الشهداء وجزائر الأحياء !
نشر في صوت الأحرار يوم 18 - 02 - 2014

توقّف مدُّ الجزائريين الثوريّ، مع انتهاء حقبة الاحتلال، واسترجاع الدولة الجزائرية المُغيَّبة، بآخر شهيد في قائمة المليون ونصف مليونٍ سقطوا أثناء الثورة وحدها، وإن راح بقايا المجاهدين- سواء ممّن بدَّلوا تبديلا، أو ممّن لم يُبدِّلوا وانعزلوا بالإغراء أو عُزِلوا بالإقصاء- يُشعلون شموعًا على شواهد أضرحة الشهداء، مازالت تهب عليها الريح التي يقصف بها الجزائرَ أولئك الذين قالوا: لا لاستفتاء تقرير المصير، ولا لإنهاء الحقبة »الاستعمارية«، فكأنهم يريدون أن يُطفِئوا نور الله الذي أضاء الشعبُ به التاريخ، منذ ثورة الأمير عبد القادر، إلى أن أصبح لهبًا، أحرقت به الثورة الجزائرية، كل فصول العصر الكولونيالي المباشر وإلى الأبد، ولولا أن الله أَتمَّ نُورَه، لكانت الجزائر مجموعة جزر متناحرة، بعد أن تحوّلت الجغرافيا الثورية الجزائرية، إلى مُجرَّد إصلاح سياسي شبيهٍ بالانقلاب، يتباهى- بقهقرته للدولة- أولئك المتداولون على كرسيّ الحكم، ويرفعه- في تخلّف مُحزِنٍ للمجتمع- الذين نكبوا الأمة بسياستهم، في فتراتٍ متتالية من تاريخ الخمسين عامًا عن تاريخ رحيل الشهداء، قد يكون أكثر إيذاءً مما ناور به الجنرال ديغول، فيما أسماه بمشروع قسنطينة، من أجل القضاء على الثورة الجزائرية.
منذ ستةِ أيام حدّق الجزائريون من جديد، في جروحهم العميقة الغائرة التي أحدثتها فيهم فرنسا، بإجرامها في حق مجموعاتٍ من الأجيال المتلاحقة، حينما فجّرت فيهم »يرابيعها« النووية، التي وصلت إشعاعاتها القاتلة، إلى أبعد مدًى مكانا وزمانا في رڤان الشهيدة وما جاورها، كي تدخل النادي النووي النّتن بتلك الجريمة المستمرّة في الوقت، قتلا وإعاقة واغتصابا لكل مظاهر الحياة، وقبل يومٍ واحد أعادوا فتح صفحة يوم الشهيد، ليُشيدوا بأولئك الذين نقلوا المعركة إلى قلب دولة الاحتلال، ولم يَهِنوا ولم يفشلوا حتى استردوا حق كل الأجيال الجزائرية، في أرضهم وثرواتهم وذاكرتهم ثم ارتحلوا، وفي الذِّكرييْن وقف الجيل الجديد مصدومًا من حجم التناقض الصارخ، بين ما كان يدعو إليه الراحلون إلى جوار ربِّهم وقد وهبوا له أنفسهم، وبين ما تمارسه قِلة من رفاقهم، وكثْرة خرجت من جحورها كخفافيش الظلام عندما انطفأ نور الشهداء، من عبثٍ بالبلاد وتحطيم لمصداقية مؤسساتها، ولولا الجِينَة الأصيلة التي زرعها الله في الجزائريين، كأمةٍ واحدة رغم تنوّعها المتعدِّد، لأصبحوا لذلك شِيَّعًا وطوائف وقبائل، تحمل في وجودها بذور فنائها، بفعل كل هذه التوتّرات نصنعها والفجائع التي نعيشها، والتي يُعِدّها العقلاء لحظات مُخِلّة بالحياء، يتعرّض فيها الوطن إلى عملية اغتصاب تكاد تكون جماعية .
لا أحد يمكن أن يدَّعي أن الثورة الجزائرية لم يتراجع توهّجها، فالجميع يُقِرّ بانحسار قِيّمها إلى مستوًى سحيق، على المستوييْن الوطني والدولي، ولم تعُد الوثيقة التاريخية المرجعية لبيان الفاتح نوفمبر، سوى كلامٍ يُردِّده السياسيون في مجالس إلهائهم للشعب، أو في مواعيدهم الانتخابية، أو أثناء حملاتهم التضليلية، لاكتساب شرعيةٍ افتقدوها، أو أخرى شعبيةٍ لم يستطيعوا الحصول عليها، وهم الذين استعاروا من النظام »الاستعماري« أُسُسَ انتشاره كلعنةٍ تُلاحق الإنسانية، فالدولة الديمقراطية الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية التي دعا إليْها البيان، ومن أجلها انخرط الشعب- بأغلبيته الغالبة- في الثورة لتحقيقها ولو دفع عُشر أبنائه، لم تعد إلا حلمًا يُرتجَى وحديثًا يُروَى، أو قِصّة تُقرَأ كما تُقرأ أسفار اليهود المُحرَّفة، أو أناجيل المسيحيين المغشوشة، حتى بدا أنه كلما ابتعد تاريخ رحيل الشهداء، كلما ازداد أنين الوطن، وتعاظمت آلام المواطن، وكأن خديعةً كبرى وقعت في مسيرة الشعب نحو التحرّر الشامل، بل كأنّ هناك »جزائريْن« واحدة للشهداء جامعة، وأخرى للأحياء بعدهم متنافرة .
لم يكن الشهيد في رحلة شهادته، قد رسم خط العودة أو فكّر فيه، كما يفعل المقاتلون على جبهة القتال قبل الإعداد للمعركة، لأنه كان يُقدِّم روحه من أجل وطنٍ للآخرين، تحيا فيه أجيال من أزمنة مختلفة، حتى المجاهدون الصادقون الذين تخطاهم الموت، في كل ساحات الوغى بالأمس، هم اليوم يبكون بمرارة، لأنهم لم يفرحوا كما فرح رفاقهم السابقون، خاصة وأنهم كانوا يحلمون بدولةٍ يحكمها جزائريون بروح الشهداء، لا دولةٍ يُسيِّرها جزائريون بفكر دعاة الإدماج أو الحركى، وقد تحوّل بكاء المجاهدين الأطهار إلى نحيب يُزلزِل، وهم يروْن فرنسا التي تركت أمراضها تفتك بالجزائريين، وتُشوِّه نُطَف رجالهم وأرحام نسائهم، وتُدمِّر فيهم ذاكرتهم التاريخية، تعود من أبواب متفرٍّقة مُشرَعة، وقد أخرجها الشعب بثورته من الباب الضيِّق .
الذكريات تعود على الجزائريين، بسؤال يُردِّدونه كل عام : هل هذه الجزائر التي حلم بها الشهداء ؟ ومن دون أن يُجيبهم أحد، ينظرون إلى مَن كالهم- قرْنًا وما يزيد عن الربع قرن- ظلمًا وتشريدًا وقتلا ونفيًا، وقد أصبح صديقًا حميمًا لسياسةٍ تحكمهم، حوّلت الشعب الكريم العزيز بفقره أيام الاحتلال، إلى شعبٍ ذليل فقير بغناه في عهد الدولة »الوطنية«، فبدل أن نلاحق فرنسا في المحافل الدولية،على جرائم دولتها الكولونيالية، التي سنّت لها قانونًا تُمجِّد به كل ما فعلته فينا من مناكر، ونطالبها بحقنا الثابت شرعًا وعُرفًا وقانونًا، جعلت منها سياستنا الرشيدة نافذتنا الوحيدة المفتوحة لنا على العالم، وما عداها ليس إلا عمى ألوان أو عدم تبصّر، فمنها ملبسنا ومأكلنا ومشربنا، وفيها مأوانا ومشفانا وحتى منكحنا، وإليها نفرش البُسُط الحُمْر لكل مفلسٍ قادمٍ منها، تحت يافطة الاستثمار الأجنبي، ولكن الحمد لله على أن الشهداء- الذين منحونا تأشيرة التحرّر-ليسوا بيننا الآن، و »لن يعودوا هذا الأسبوع« بل لن يعودوا أبدًا، فلو بُعِثوا لفضّلوا الموت ألف مرة في اللحظة الواحدة،وهم يروْن آخر إبداع مَن ورثوا تركتهم من غير العُصْبة، وقد استبدلوا قرآنهم- في الحِداد على موتاهم- بالموسيقى الكلاسيكية، تمامًا كما تفعل فرنسا ومَن ساعدها على قتل الجزائريين بالجملة، من دول الأطلسي أثناء حرب التحرير، فالموت في نظر هؤلاء وأولئك، ليسعِبْرةً للأحياء، إنما هو لعبة يمارسها البعض على البعض الآخر ...
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.