تحل الذكرى 25 لرحيل الروائي والشاعر مولود معمري الذي توفي إثر حادثة سير في نواحي عين الدفلى ليلة 25 إلى 26 من فيفري 1989 بعد مشاركته في ندوة حول الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية ، ويعود له الفضل في إثراء الأدب الجزائري بعديد الأعمال والبحوث في مختلف التحصصات اللانية والاجتماعية والأنثروببولوجية وتعد مؤلفاته «الربوة المنسية» و» الأفيون والعصا» و»نوم العادل» و» عبور الصحراء» المترجمة إلى لغات عالمية وهي دليل على القيمة الأدبية الرفيعة لكتابات هذا المفكر المبدع الذي ساهم أيضا في إثراء السينما الجزائرية بفيلمين مقتبسين عن الروايتين الأوليين من طرف المخرجين عبد الرحمان بوقرموح وأحمد راشدي. كما كان ضليعا في علم اللسانيات حيث قام بجمع مجموعة شعرية للشاعر الجوال سي محند أومحند إلى جانب مجموعة أخرى» ما شاهو طلمشاهو» من الأشعار القديمة وعرف بإسهاماته المعتبرة في الفن الرابع الذي قدم له ثلاثيته الشهيرة «الفهن أو الدليل برقم تسعة» و»الوليمة» و»موت الأزتيك « ، مولود معمري روائي جزائري من الرعيل الأول من الأدباء الذين قرألهم القراء الفرنسيون باللغة الفرنسية بالإضافة إلى القارئ الفرانكوفوني في شمال أفريقيا ، وخاصة أن أعماله المترجمة إلى اللغة العربية لاتكاد تذكر. ومن هنا لابد من التعرف عليه، انه مولود في قرية توريرت ميمون 28 من ديسمبر عام 1917 وسط أسرة تتمتع بالثراء والجاه الاجتماعي ، فتلقى تعليمه في مدرسة القرية وعندما بلغ الحادية عشرة سافر إلى مدينة الرباط عند عمه. وهناك درس في مدرسة الليسية جورو، وعندما عاد إلى الجزائر وهو في السادسة عشرة كان عليه أن يستكمل تعليمه وقد تنقل بين بلاده وفرنسا قبل أن يلتحق بكلية الطب في مدينة الجزائر وقد التحق الشاب بما يسمى بالفرقة الأجنبية التي تعسكر في الصحراء، وهي تضم الجنود من مختلف بلاد أوروبا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية وجد نفسه جنديا في الجيش الفرنسي، وهو أمر لم يكن بالطبع على هواه ، وعندما انتهت الحرب عمل مولود معمري في المدارس الثانوية لتدريس الأدب، وانتقل بحكم وظيفته بين مدن عديدة، ووجد نفسه قريبا أكثر من الناس الذين صاروا مادة خصبة لكتاباته. وفيما بعد انتقل إلى المملكة المغربية، وطالت به الإقامة حتى عام 1957 ، وعاد للعمل أستاذا للأدب في جامعة الجزائر. ثم عمل مديرا لمركز الأبحاث الأنثربولوجية حتى عام 1980 . نشر مولود معمري روايته الأولى «الربوة المنسية» عام ,1952 ثم جاءت روايته الثانية نوم العدالة عام1955 وبعد عشر سنوات جاءت روايته الشهيرة»الأفيون والعصا» التي تحولت إلى فيلم وفي عام 1973 صدر كتابه»موظف البنك»، الذي يتضمن العديد من القصص القصيرة، والمقالات التي سبق أن نشرها وينتمي مولود معمري أكثر إلى الثقافة البربرية، وعن لغة هذه الثقافة نشر كتابا في قواعد اللغة كما نشر ديوان شعر يحمل اسم» أشعار القبيلة» عام 1980 وعاد مرة أخرى إلى كتابة الرواية حيث نشر عام 1982 روايته العابرة ، مولود معمري كاتب عربي منفي إلى لغة أخرى ، وهو لم يختر ذلك، ولو لم يكتب باللغة الفرنسية، فمن المرجح أنه كان سيكتب باللغة البربرية لكن هذا لايمنع شعوره الحاد بعروبته، رغم التيه الكبير الذي عاشه في الفرقة الأجنبية ورغم أن ناشري كتبه كانوا في العاصمة الفرنسية باريس فإن الكاتب لم يكتب أبداً عن الغربة، لأن سنوات حياته قد عاشها في الوطن العربي بين المغرب، والجزائر، وليس في فرنسا مثلما حدث مع آخرين من الذين يكتبون باللغة الفرنسية. تشكل الكتابة عند مولود معمري في التحامها بقضايا الوطن ? تلك الجغرافيا المستلبة التي تقاوم من أجل استرجاعها مختلف الشرائح الاجتماعية، والفضاء الحامل للقيم الثابتة التي رسخها الأسلاف والمحدد للهوية والانتماء والمبنين للمخيال والوجدان لدى الأفراد والجماعات - البعد الأكثر التصاقا بالسياق التاريخي وبالتحولات الأيديولوجية التي طبعت الحركة الوطنية في مسارها التحرري الباحث عن الإنعتاق والكرامة ، يتجلى هذا البعد بشكل واضح في رواياته الثلاث الأولى، فمن رواية « الربوة المنسية « 1952 إلى رواية « غفوة العادل « 1956 مرورا برواية « الأفيون والعصا « ,1965 عرفت الكتابة الروائية عند ذاك الشاعر الذي « يغني أمل رجل لا يخشى الليل « انزياحا جماليا وفكريا عن الرواية الكولونيالية ذات النزعة الجزائرية التي حاولت أن تتميز عن الرواية الإثنوغرافية التي ظهرت في حدود ,1900 لكن دون جدوى كما انزاحت الكتابة الروائية عند معمري عن الأيديولوجية الأدبية التي دعت إليها « مدرسة الجزائر العاصمة تلك الأيديولوجية « المحايدة « التي توخت التفاهم بين السكان المحليين والأوروبيين المستوطنين. وهي بهذا تجاوزت التقليد والمثاقفة التي ميزت محاولات الأدباء المحليين الذين تماثلوا بالنموذج الفرنسي وناصروا سياسة الاندماج فيما بين سنوات 1950 /إذا كانت الكتابة، عند هذا الأديب، هي التي تتيح فرصة الممارسة في الحقل الاجتماعي المتكلس وتطمح إلى إيجاد سبل تغييره نحو الأفضل بواسطة الخطاب الأدبي، فإنها تجعل الذات تندمج في الخطاب الوطني، متفاعلة معه ومتبلورة نسبيا ضمنه في علاقة جدلية ترفع من مستوى التشابك الضروري بين الوعي والتاريخ وهو الأمر الذي جعل الخطاب الروائي عند هذا الأديب يعرف تصعيدا ثوريا في موقفه من الآخر، فينتقل من البحث عن الاعتراف بالوجود عن طريق الحوار إلى السؤال والمواجهة ثم العنف المسلح، ولكن ضمن رؤية إنسانية و في هذا الإطار وضمن هذا السياق التاريخي والثقافي، كان مولود معمري يعي جيدا رسالته والمسؤولية الملقاة على عاتقه، فلم يكن أمامه سوى الالتزام بضرورة التعبير عن مأساة مجتمع متأزم يعاني من هيمنة الخطاب الكولونيالي وشراسة أدواته القمعية، فالكتابة عنده هي « الإيمان العنيف بشيء يشعر الإنسان برغبة شديدة في إيصاله للآخرين «، أما لماذا هذا الموقف الحاد؟ فيبرره بوضع الجزائريين آنذاك حيث « لم يكونوا يؤمنون بشيء، حتى بأنفسهم قبل الحرب العالمية الثانية... وكانوا قد قتلوا الله دون أن يعرفوا، منذ زمن طويل، وكان ملء أفواههم، بسبب الكسل والتعود ونضب الخيال، وكانت قلوبهم خالية... وقد سمعوا مرارا الكلمات التالية تتردد « ... أنتم عرب ... أنتم لا شيء « وكل يوم يمر يؤكد ذلك: فالسلطة والثروة والجمال والعلم والكرامة واللغات، وملاعب التنس، والشواطئ، والسيارات، وكل شيء جيد وجميل ودافئ وكبير كان ملكا للأوروبيين