ظهرت نتائج غربلة المجلس الدستوري، وضبطت قائمة المترشحين الرسميين للانتخابات الرئاسية المقرّرة يوم السابع عشر أفريل القادم. وإذا كان عدد الذين قدّموا ملفات الترشح للمجلس الدستوري قد بلغ 12 مترشحا، فإن عدد الذين تخطّوا امتحان أو حاجز المجلس الدستوري لم يتجاوز ستة مترشحين. بالرغم من أن التحضيرات للرئاسيات المقبلة بلغت مرحلة متقدمة، وقد تمّ التعرف على القائمة الرسمية للمترشحين لهذا الموعد الوطني الهام، إلا أن الجدال مازال قائما والتجاذبات السياسية على أشدها قبيل انطلاق الحملة الانتخابية. ولئن أخذت العهدة الرابعة حيّزا هاما من النقاشات والاستقطابات على مستوى الساحتين السياسية والإعلامية، فإنها أحدثت نوعا من الفرز بين من يعارض ومن يؤيد ويساند بقوة ويعمل في الميدان بفعالية لإنجاح الرئيس بوتفليقة والفوز بعهدة رئاسية جديدة. دفاع الموالين يستند على حصيلة إنجازات بوتفليقة خلال العهدات الثلاث السابقة، كما تبدو قناعتهم كبيرة وثقتهم أكبر في قدرة الرئيس وأهليته الصحية لمواصلة تأدية مسؤولياته في منصب القاضي الأول في البلاد، ولا سيما في هذه المرحلة المتميزة بالعديد من الرهانات الداخلية والتحديات الخارجية. إن حجة الموالين من الأحزاب والمنظمات والجمعيات، وفي مقدمتها الأفلان، أن الرئيس بوتفليقة هو الأضمن لاستمرارية الأمن والاستقرار اللذين تنعم بهما الجزائر بعد أزمة الإرهاب الذي أتى على الأخضر واليابس طيلة أكثر من عشرية من الدم والدمار. في المقابل، هناك من يقف معارضا للعهدة الرابعة بدعاوى لا ترقى في نظر الموالين والمدعمين والمساندين لتكون حجر عثرة أمام إعادة انتخاب الرئيس مرة أخرى على رأس الدولة، من ذلك أن تحركات المعارضين للرابعة والمقاطعين للعملية الانتخابية والذين يقفون فيما بينهما، لا تعدو أن تكون مجرد محاولات للسير عكس التيار. وبين الموالين والمعارضين والمقاطعين، يقف الناخبون خاصّة والمواطنون عامة، في انتظار من يقنعهم بأهمية الانخراط طواعية وعن وعي في العملية الانتخابية والمشاركة الجماعية في التصويت يوم الاقتراع، والتعبير عن إرادتهم الحرة في اختيار الرجل الذي يرونه أهلا لقيادة البلاد خلال الخمس سنوات القادمة. إن الناخب الجزائري ظل كثير التحفظ وكثير التردد في إعطاء العملية الانتخابية كل أبعادها، وذلك من خلال العزوف الذي ميز الاستحقاقات السابقة، ومن ثمة فإنه من أوكد الواجبات الملقاة على عاتق المترشحين للموعد الرئاسي المقبل، الانتقال من مرحلة التجاذبات والاستقطابات السياسية والجدالات العقيمة إلى مستوى أرقى، قوامه تنافس الأفكار والبرامج من أجل آداء أفضل على الأصعدة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والنأي بالجزائر عن كافة أشكال التهديد والمخاطر المحدقة بها، وفي مقدمة ذلك حماية الحدود والوحدة الوطنية، ودرء البلاد من الفتن التي تحاول أطراف في الداخل والخارج إثارتها خدمة لأهداف مشبوهة. الرئاسيات القادمة يجب أن تكون موعدا مع الأمل ومحطة مفصلية على طريق ترسيخ الديمقراطية، لا أن تكون موعدا يزيد في حدة الصراعات والانقسامات وإثارة الشكوك والتخوفات من المستقبل.