أثارت مزحة عبد المالك سلال الكثير من التعليقات وردود الفعل، منها المعاتب ومنها الغاضب، إلى درجة أن شبابا بباتنة وبعض المدن في الشرق الجزائري خرجوا إلى الشارع للتنديد بما اعتبروه إهانة للشاوية. بعض الأطراف، ولأغراض واضحة، استغلت مزحة سلال وراحت تصب الزيت على النار، في محاولة منها لاستغلال هذه ''الحادثة''. ومن الواجب هنا، اعتماد حسن النية في تناول هذه المسألة، ذلك أن عبد المالك سلال- هكذا يفترض- لم يكن يقصد الإساءة أو التشويه أو النيل من الشاوية الكرام، اللهم إلا إذا كان قد أصيب بلوثة، جعلته لا يميز بين ما يقال وما لا يقال. إن سلال في تلك الجلسة، لم يكن يلقي خطابا في مهرجان انتخابي ولم يكن في مناظرة سياسية مع خصومه ولم يكن الذين أطلق أمامهم تلك '' المزحة'' يناصبونه العداء أو أنه كان يرمي من وراء ذلك إلى تصفية حسابات قديمة أو جديدة مع الشاوية. لم يكن المجلس الذي كان يتحدث فيه عبد المالك سلال سياسيا أو تصادميا أو فضاء لمبارزة انتخابية، بل كان جلسة حميمية بين إخوة وأصدقاء، وكان الحضور من مختلف جهات البلاد، منهم من ينتمي إلى الشاوية. وكان الكلام عفويا، تخللته تلك النكتة التي ألقاها سلال، كعادته المعروفة ، مخاطبا أحد أصدقائه من باتنة. إن الخطاب السياسي له أهداف يرمي إلى تحقيقها، وبالتأكيد فإن الإساءة لا تندرج في هذا الإطار، بل إن ما قيل في ذلك المجلس الخاص والضيق، ليس أكثر من مزحة لا ينبغي إخراجها عن سياقاتها أو الذهاب بعيدا في تلك التأويلات المذمومة والاستغلال غير المحمود. ويقينا، أن الشاوية الأحرار، أبناء الأوراس الأبطال، أرض الشهداء الأبرار، لن تنطلي عليهم تلك '' البطولات''في الإثارة والتحريض ومحاولات إذكاء نار الفتنة، وهم بحبهم للجزائر التي، دفعوا من أجل حريتها القرابين السخية، لن يندفعوا وراء التهويل، فوطنيتهم أكبر وأسمى من أن تجرفهم إلى ردود فعل غير محسوبة. ثم، وهذا هو الأساس، من الذي يستطيع، كان من كان، أن يسيء إلى الشاوية أو يحاول النيل من سمعتهم وكرامتهم وصورتهم الناصعة في الانتماء الأصيل لوطنهم وذودهم عن حياضه ودفاعهم عن وحدته وهويته وقيمه. لا يجب أن تبنى المواقف على كلام عابر أو مزحة لها سياقها الخاص ومنبتها البيئي المعروف، فهناك الكثير الذي يقال عن أهل معسكر وجيجل وبسكرة والقبائل وقسنطينة، وهم كلهم محترمين ومبجلين، من باب النكتة التي، قد تكون لها ظروفها التي قيلت فيها، وهي بالتأكيد لا تحتمل التقييم ولا الحكم على سكان هذه الجهة أو تلك من الوطن الواحد. لقد اكتشف المواطنون عبد المالك سلال الآخر الذي، لا يكف عن إطلاق التعابير المثيرة للجدل، يمزح بلا حدود، لا يتراجع ولا يتوب. تلك هي طبيعته التي يعرفها الجميع، من محيطه العائلي إلى زملائه في الحكومة ورفاق دربه في الدراسة، ولذلك لا ينبغي أن يؤخذ حديثه عن الشاوية مأخذ الجد، بل يجب أن يوضع في مكانه الطبيعي، باعتباره مجرد مزحة، حتى وإن كانت ثقيلة أو ''صامطة''، حسب التعبير الدارج، خاصة في هذا الظرف المتميز برهانات صعبة وبأجواء مشحونة. هذا هو سلال، وهذه هي خرجاته المثيرة. والمطلوب هو التعامل معه دون اجتهاد في التفسير والتأويل أو محاولة توظيف ما لا يقبل التوظيف. أليس هو القائل بأنه يحب التنكيت وأن المسؤولية لم تردع تلك النزعة التي تلتصق به ويلتصق بها، مهما كانت الظروف ومهما اشتدت العواصف عليه. لقد شعر سلال بالخطأ وقدم اعتذاره، معترفا بأنه لم يكن يتصور أن تأخذ القضية هذه الأبعاد ومؤكدا حبه وتقديره لسكان الأوراس والشاوية عموما. لكن هل يستطيع سلال أن يلجم لسانه، بعد كل هذه الزلات التي، أصبحت تجلب له الضرر وتكاد أن تجر على البلاد كل الأخطار. نأمل أن تكون ''السلاليات '' قد قدمت له الدرس المفيد، وهو يقول: ''لسانك حصانك إن صنته صانك ''، ذلك أن مسؤولية سلال، الوزير الأول أو مدير حملة الرئيس بوتفليقة، تجعله في مواجهة مباشرة مع الرأي العام، وبالتالي فإن الخطأ ممنوع وغير مسموح به. أما النافخون في الجمر الذين يغذون الكراهية، فعليهم أن يقولوا خيرا، وليطمئنوا بأن للشاوية- وهم الوطنيون الأحرار والأخيار- كل الحق في أن يغضبوا غضب الحليم، لكنهم أبدا لن يحولوا المزحة إلى نكبة.