رغم أن وزارة التربية الوطنية خطت خطوة معتبرة على طريق تحقيق المطالب المهنية والاجتماعية المرفوعة من قبل نقابات القطاع، إلا أن هذه المطالب لم تتجسد بصورة فعلية على أرض الواقع حتى الآن، ولهذا الوضع مُبرّراته عند النقابات وعند السلطات العمومية، منها ما يتعلق بفسح المجال واسعا أمام الانتخابات الرئاسية، التي هي حدث وطني هام، ومنها ما يتعلق بمنح الوقت اللازم لهيئات الدولة الرسمية في ترتيب وطرح الحلول المطلوبة لما تعهدت والتزمت بتجسيده في المفاوضات الأخيرة التي تمت مع النقابات، وحتى وإن كان هذا هو موقف قيادات نقابية مع الوزارة الأولى وباقي السلطات الأخرى، فإنه لم يكن كذلك بالنسبة لشرائح واسعة عاملة بالقطاع. هدأت الأوضاع النقابية بصورة كلية على مستوى قطاع التربية، ولم يبق منها سوى المتابعة عن بُعد لما تقوم به وزارة إصلاح الخدمة العمومية، التي تحركت في مسعاها الأخير بأمر من الوزير الأول عبد المالك سلال، وهدوؤها هذا نابع أصلا وفق ما تقول قيادات نقابية من أمرين أساسيين، الأول فسح المجال واسعا أمام الاستحقاق الرئاسي، الذي هو أمر وطني هام، ويجب أن تُرصد له كافة الطاقات من أجل إنجاحه وتمريره في كنف الهدوء والطمأنينة، والأمر الثاني يتعلق أساسا بفسح المجال أمام وزارة إصلاح الخدمة العمومية، ومعها هيئة الوظيفة العمومية التابعة لها، وباقي الهيئات الوزارية الأخرى المعنية من أجل إصدار الحلول النهائية المُتعهّد بها من قبل الوزارة الأولى بشأن كافة المطالب المُحالة عليها. وهي حقيقة وفق ما ترى النقابات الثلاث التمثيلية التي أحدثت في المدة الأخيرة هزة معلومة بالقطاع بالفعل مُحتاجة إلى وقت، لاسيما أن أغلبها تحتاج شرائحُه إلى جرد وإلى تمحيص مدقق، وهذا ما هو الحال عليه بالنسبة للفئات الموصوفة ب الآيلين للزوال، حيث راسلت مديرية الوظيفة العمومية وزارة التربية، وطلبت منها تقديم إحصاء دقيق للعمال»الآيلين للزوال« بمنطق هذه الهيئة، وكذا العمال الآخرين العاملين في إطار عقود ما قبل التشغيل، وقد ألحت عليها الإسراع في موافاتها بالقوائم، ولاشك أنها إن احترمت التاريخ الذي حددته الوظيفة العمومية تكون قد انتهت منها وأودعتها لديها، وهذه الأخيرة من جهتها تكون قد قامت، أو هي بصدد القيام بدراسة ملفات كافة المعنيين من أجل إدماجهم في الرتب القاعدية طبقا لما وعدت به الوزارة الأولى. ومثلما هو معلوم، فإن مجموع »الآيلين للزوال« العاملين في قطاع التربية هو حوالي 63 ألف عامل، وهو أكبر عدد في مجموع القطاعات الوطنية الأخرى، وهؤلاء لا يطالبون فقط بتصنيفهم في الرتب القاعدية، بل يطالبون بالإدماج في الرتب المستحدثة، التي هي أستاذ رئيسي، وأستاذ مكون، مع الأخذ بعين الاعتبار الخبرة المهنية للكل منهم، وهذا الأمر في حد ذاتها ترى النقابات أنه بحاجة إلى قرار سياسي استثنائي من الوزير الأول أو رئيس الجمهورية. ولأن عددا من عمال التربية الوطنية لم يكونوا مقتنعين بهذه الهدنة المطولة الممنوحة للوزارة والسلطات العمومية المعنية الأخرى، ويرغبون في تسوية عدد من الأمور التي لا تحتاج إلى انتظار، فقد ظهرت بوادر احتجاجية ببعض الولايات، تمت فيها المطالبة بتسوية مسألة الإدماج في الرتب المستحدثة، التي هي أستاذ رئيسي، وأستاذ مكون، وهي بالنسبة إليهم لا تحتاج فيها مديريات التربية إلى مزيد من الوقت لتنفيذها على أرض الواقع، خصوصا إذا علمنا أن ولايات كثيرة قامت بتطبيق هذا الأمر، ولم تنتظر أية تفويضات أو تعليمات جديدة وفق ما تتحجج به مديريات التربية التي لم تطبق هذا القرار. وحتى وإن كانت مسألة »الآيلين للزوال« تحتاج ترتيبات محددة وإلى وقت وفق ما ترى قيادات نقابية، فإن عددا من القضايا والانشغالات التي تمّ طرحها في المفاوضات السابقة لا تحتاج إلى مثل هذا الوقت الذي تختفي وراءه السلطات العمومية المعنية، وحتى بعض القيادات النقابية المُهادنة سلبا، وهي ترى في أن الأسباب المذكورة الممنوحة لهذه السلطات مبالغ فيها وما كان لها أن تمتد لغاية ما بعد الرئاسيات، أو لغاية العودة لاحتجاجات جديدة مع الدخول المدرسي القادم، وهو ما يعني مُضيّ حوالي خمسة أشهر من الآن.