عاش قطاع التربية هذه الأيام أجواء استثنائية غير مسبوقة من الاحتجاجات والتفاعلات جراء حالات التزوير والتلاعبات التي حصلت في مسابقة توظيف أساتذة التعليم بأطواره الثلاثة، وما تمخض عنها من نتائج أقل ما قيل ويُقال عنها أنها مطعون في نزاهة ومصداقية عدد كبير من اللجان التي أدارت امتحاناتها، ودرست ملفات مترشحيها على مستوى مديريات التربية للولايات، وهو أمر تسبب في تسجيل أزيد من عشرة آلاف طعن، رقم غير مسبوق في تاريخ القطاع أوجد حالة استنكار غير مسبوقة في الأوساط النقابية، ولدى مكونات الأسرة التربوية، التي تابعت جميعها هذا المشهد المخزي، وتتأهب لإعلان سخطها عليه مع بداية الدخول المدرسي القادم. ثبت بالملموس للنقابات، ومكونات الأسرة التربوية، ومديريات التربية، والمديريات الولائية للوظيفة العمومية أن النتائج النهائية المتوصل إليها في مسابقة توظيف أساتذة التعليم بأطواره الثلاثة مطعون في نزاهة ومصداقية لجان الكثير منها على مستوى عدد غير محدود من الولايات، أين سُجلت عنها وعن أعضائها حالات غير نزيهة وغير مسؤولة بالمرة، ، موصوفة بالتلاعب بنظام التنقيط والتزوير المؤكد، كان وراءها ولا شك وفق ما أشارت التقارير أساتذة الامتحانات أنفسهم ضمن اللجان، والإداريون الساهرون على مجريات امتحانات هذه المسابقة أنفسهم على مستوى مديريات التربية، ومعهم شركاؤهم التاريخيون في التزوير والتلاعب بمصائر المترشحين في مختلف الامتحانات والمسابقات، وحصة الأسد في هذه التلاعبات والتزويرات وفق ما تشير التقارير تمت بصفة خاصة على مستوى اللجان التي أوكلت لها دراسة ملفات المترشحين، وتقدير نقاطها، وقد كانت تحت تصرفها 27 نقطة، زيادة عن الثلاث نقاط الأخرى المتعلقة بالمقابلة مع لجنة الامتحان. وحسب ما يؤكد مسؤولون نزهاء في بعض مديريات التربية، والوظيفة العمومية نفسها، وتبعا للتحقيقات والتحريات الدقيقة التي قامت بها جهات معنية، فإن تجاوزات كبيرة حصلت بالفعل على مستوى بعض الولايات، تمثلت في منح نقاط الامتحان للبعض دون التقيد بنظام التنقيط المحدد ، وفي تضخيم النقاط بشكل يتنافى والمقاييس التي حددتها وزارة التربية، نذكر منها ما حدث على مستوى إحدى لجان الامتحان في ولاية غرداية، أين منحت نقطة 5 من 5 لمترشحة للتعليم المتوسط تاريخ وجغرافيا، حاصلة على شهادة الليسانس سنة 2005 ، مولودة سنة 1992 ، وهي العلامة الكاملة التي تُمنح لأقدمية الشهادة، بحساب بسيط وجد المعنيون أن هذه المترشحة الناجحة في المسابقة كانت أنهت دراستها الجامعية وعمرها لا يتجاوز تسع سنوات، وهناك حالات أخرى مماثلة شهدتها نفس الولاية وولايات أخرى، ونتائج التحقيقات فيها متوفرة لدى الجهات المعنية في مديريات التربية. ولأن المقام لا يسع لذكر جميع الشواهد ووقائع التزوير غير المشرفة الحاصلة بالفعل، يكفي فقط أن نؤكد أن تقارير ذلك موجودة لدى عدد من مديريات التربية، ووزارة التربية نفسها، وهي تتوفر على جملة من الحقائق والأدلة الدامغة التي تشهد على حصول فضائح كبرى وتجاوزات ، ويمكننا تلمسها من عدد الطعون الضخم، الذي فاق العشرة آلاف طعن، تقدم بها المترشحون غير المحظوظين، الذين لم تكن لديهم القدرة على الاستفادة من »هذا الريع الممنوح« ، وبالفعل أكدت هذه الطعون والتقارير الرسمية المترتبة عنها أن نقاط المقابلة، ونقاط دراسة الملفات الممنوحة لم تكن في عمومها نزيهة وعادلة لدى أعداد معتبرة من اللجان، وتحمل في طياتها كامل القرائن والأدلة الدامغة. وتبعا لما كشفت عنه هذه التقارير والطعون فإن حصة الأسد في التزوير وفي التجاوزات والتلاعبات التي حصلت، وسُجلت بشأنها أعداد هائلة من الطعون تعود أساسا إلى ما بدر من هذه اللجان في دراسة ملفات المترشحين وتنقيط مكوناتها، التي توزعت نقاطها حول أقدمية الشهادة المحصل عليها، وعلاقتها بالتخصص المراد في المسابقة،وسنوات الأقدمية المهنية، ومستوى المسار الدراسي الجامعي، والمنجزات الأكاديمية العلمية الإضافية، وهذه الجوانب كلها خصصت لها 27 نقطة من مجموع 30 نقطة، وأهم الجوانب التي تركز حولها التزوير والتلاعب الأكبر بالنقاط هي سنوات الخبرة المهنية، وأقدمية الشهادة، والمنجزات الأكاديمية والعلمية الإضافية. ولأن مديريات التربية كانت في أغلبها متحسسة لما جرى فقد ارتابتها حالة من الارتباك والتردد والتأجيل والامتناع عن الإعلان عن النتائج، ولاسيما تعليقها بالمؤسسات التربوية المعنية، وتأسف لذلك الكثير من المتتبعين، واعتبروا ما حصل هزة عنيفة، ووصمة خزي في جبين الأستاذ والإداري المسؤول في قطاعي التربية والوظيفة العمومية.