على عكس ما يروج، لا يختلف الموسم الأدبي لهذه السنة في الجزائر عن سابقيه، حيث وعلى الرغم من قلة الإصدارات الروائية مقارنة بالسنة المنصرمة، تبقى الأسماء المثيرة للجدل هي نفسها، كما يحاول الإعلام وككل سنة ترجيح أسهم عمل على آخر، لا من حيث جدارة الإصدار بل لأسباب تتعلق غالبا بالعادة ورصيد علاقات صاحب العمل أو غايات صاحب المنبر الإعلامي. الجزائر، تبنى الإعلام-عن طريق النسخ واللصق- تصريح الصحفي حميد عبد القادر من كون الدخول الأدبي لهذا العام يختلف عن السنة الماضية من حيث قلة الأعمال الروائية الصادرة، حيث لم يتجاوز عدد الروايات المنتظرة خلال الصالون الدولي للكتاب سوى بضعة روايات، أهمها روايتان لأمين الزاوي، إلى جانب السيرة الذاتية المنتظرة لواسيني الأعرج بعنوان ، في حين رفض الكاتب لحبيب السايح الكشف عن عنوان روايته الجديدة، وأجل ذلك لوقت لاحق. كما يظهر، بني التصريح على تخمينات لا غير، إذ لا يمكن تحديد أهمية أي عمل من خلال التمنيات، بل ما يثيره الإصدار من تفاعل في الساحة الأدبية. الحقيقة الوحيدة في هذا، أن الإصدارات الروائية في الجزائر قليلة مقارنة بالسنة المنصرمة، وهي حقيقة تستحق التساؤل حول أسبابها، لاسيما والكتابة السردية في العالم والعالم العربي تعرف تطورا رهيبا في الكم والكيف معا. بخصوص ذلك يقول الروائي محمد حعفر الحاضر في هذا الموسم الأدبي بروايته «هذيان.. نواقيس القيامة»: « لا أملك إلا أن أقول إن العام الماضي كان استثنائيا من حيث كم الإصدارات في فن الرواية، إذ تجاوزت أربعين عنوانا. والواقع أننا لم نعرف من قبل هذا العدد من الإصدارات، كذلك نشهد هذه السنة تراجعا إلى ما دون النصف، وكأن ما حدث السنة الماضية كان عبارة عن ظاهرة غير طبيعية لتوافر مناخ معين (توافر عدد معقول من النصوص والتي هي في الغالب الأعمال الأولى لأصحابها) أوجدته ظروف معينة (دعم الوزارة)، ثم ما لبثت أن عادت الأمور إلى طبيعتها وصورتها العادية جدا. وبرأيي أن تكون روائيا يعني أن تتوفر فيك شروط ثلاثة منها: 1 الموهبة، ومنها معين المبدع وبفضلها وحدها يمكن للكاتب أن يخلق لنا عشرات الحكايا وفي ظرف وجيز، والتي منها تتشكل الروايات المدهشة. 2 أن تكون الرواية همَّ المبدع وشغله الشاغل فلا يحفل بغيرها، وكأنها متعته الحياتية الوحيدة. 3 طول النفس والاستعداد على التضحية. فقد تستغرق منا كتابة قصة يوما أو بعض يوم؛ أما الرواية فتحب من يعاشرها يوميا ولأطول زمن ممكن، مع العلم أن المبدع غالبا لا يتوفر على مصدر ثابت للرزق ما لم يشمر عن ساعديه. إنها الفن الذي يستنفذ صاحبه تماما ويجعله في نظر الكثيرين أشبه بالشحاذ. وعلى ذلك يكون السؤال المشروع والذي يجب أن نطرحه غالبا، كم نملك من روائي في الجزائر بهذه الروح والخصوصية وبهذا التفاني والإخلاص؟ وأعتقد أن في الجواب فضيحتنا الكبرى، إذ يمكنني الجزم أننا لا نملك روائيين حقيقيين وبمعنى الكلمة أو ما نملكه لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، أما الآخرون والذين يصنفون اعتباطا كروائيين فما هم في الأصل إلا كتابا كان لهم أن كتبوا في الرواية، جربوها ذات مرة وقد تجدهم ينسحبون من الكتابة فيها لسبب أو من غير سبب، وقد تجدهم غدا شعراء أو نقادا وهم أشبه بالقراقوز الذي يقفز على أكثر من الحبل. وغالبا لا دور له إلا أن يسلينا». في سياق مختلف يرى الشاعر رفيق جلول، صاحب المتابعات النقدية الجادة للرواية الجزائرية أنه: « لن يكفي أن نطرح ما سبب ندر نشر الروايات في الجزائر ، بل علينا أن نعمم ونقل ما سبب هذا النقص الذي شمل الكتب الأدبية والفكرية عامة ؟ ربما هذا يكون بسبب تجاري تراه دور النشر الجزائرية ، وهذا ما نراه ككتاب سلبا وعجزا في نشر ثقافة أدبية وإبداعية واعية ، ما تعيشه الجزائر اليوم أمام هذه الظاهرة ، يتقدم بها خطوة نحو الخلف ، الأدب الجزائري ومنها الرواية ، تتلقى ضربة صارعة في نشر الوعي الثقافي للبلاد ، الرواية الجزائرية كجنس أدبي متوفرة كتابة وهذا للعدد الهائل الذي ظهر من أجيال مختلفة قديمة منها وجديدة ، وبمختلف الأيديولوجيات والأفكار ، انما نشر الرواية كأي جنس أدبي آخر تعرض للإعاقة الذهنية بفضل التفكير التجاري الذي تنتهجه دور النشر في يومنا هذا . ومن خلال قراءاتي السابقة لروايات جزائرية وعربية وعالمية ، أدركت أن الرواية عالم آخر عليه ألا يندثر نشره والترويج له وهذا ما الكلام أيضا ينطبق على مختلف الأجناس الأدبية والفكرية الأخرى ، فنشر الأدب والفكر يبقى وسيلة لنشعر ثقافة في عقل مجتمع واع . الكاتب الجزائري اليوم يعاني من الإجحاف الذي تمارسه فيه دور النشر في حقه وحق ما يكتب ، وعلى دور النشر إدراك القيمة التي تنتفع فيه البلاد من نشر ثقافة أدبية واعية» . أما الشاعر المتميز خالد بن صالح، قبثير المسألة من جانب آخر، حيث يرى أن « الوقت لا يزال مبكراً للحكم عن عدد الإصدارات الروائية لهذا العام، خاصة وأن «الموسم» الأدبي عندنا، ولا أجزمُ بالتسمية طبعاً، يبدأ مع المعرض الدولي للكتاب، الذي إن حافظ على موعده سيكون في شهر نوفمبر المقبل. مع ذلك لا توجد بوادر لإصدارات جديدة، وان اختلفت مستوياتها، كما كان الشأن العام الماضي أو الذي قبله. أقول هذا وتجرني إلى الخلف تساؤلات عدة، قد تبدو مرثيات إن صيغت باللغة التي أفكر بها في مشهد ثقافي مترهل. قد يكون الأمر محكوماً بظروف الكتابة والحياة، وبظروف الكتابة والنشر، وبظروف الكتابة والمشروع، وبظروف الكتابة والشغف، خاصة وأننا نمشي بأقل ما يمكن في ما يخص النشر والاحتفاء بالكتاب والاصدارات الجديدة، أي «المينيموم» وحتى هذا «المينيموم» لا يخلو من تفاهاتٍ تكاد تخرج الإنسان من عقله حين تصنف أنها رواية. ربما نحن بحاجة إلى غربلة حقيقية لمنتجنا الأدبي والروائي بالذات. الذي تحكمه منذ مدة قوانين غريبة مثل «موضة الرواية» وهي الموضة التي باتت تستهوي الجميع. مع استثناءات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة لمن صنعوا الفارق خاصة في تجاربهم الأولى. وأظن أن غياب النقد والقارئ المثقف والجوائز والمسابقات والندوات والمقاهي الأدبية التي تؤسس لنقاش حول طموح الرواية الجزائرية لاسيما تلك المكتوبة باللغة العربية. هذا الغياب الجماعي، يشكل الحلقات المفقودة في العملية الإبداعية ككل. ناهيك عن انغلاق المؤسسة الرسمية على نفسها وفي دوائر غير فعالة ولا يمكنها المشاركة في التقييم وخلق المبادرة، وأقول المبادرة التي تفتقدها النخبة كذلك، بعيداً عن الأحكام الشخصية وعلاقات المحاباة والتملق. الكل يسير بما استطاعت خطاه أن تتجاوز المصاعب والتحديات ولكن «ما يبقى في الواد غير احجاره».