أبو جرة سلطاني وعبد الرحمن سعيدي ذهبا للقاء قادة الأفافاس في إطار المشاورات حول مبادرة إعادة بناء الإجماع الوطني، وجاء رد فعل عبد الرزاق مقري غريبا، فقد اعتبر أن سلطاني وسعيدي لا يمثلان حركة حمس، تماما مثلما كانت مواقف مقري في عهد سلطاني لا تمثل إلا رأيه الشخصي. تعودت حركة حمس على وضع رجل هنا والرجل الأخرى هناك، فهي لا تريد أن تغامر، كانت في التحالف الرئاسي ولم يمنعها ذلك من توجيه النقد للحكومة، اخترع قادتها مراوغات لغوية من أجل التملص من تهمة ازدواجية المواقف، وسياسة توزيع الأدوار هذه يتداول عليها رموز حمس منذ سنوات طويلة، وما يفعله سلطاني اليوم مع مقري، كان الأخير قد مارسه في عهد رئاسة سلطاني، ولما كان الرئيس هو محفوظ نحناح كان أبو جرة يلعب دور المعارض من الداخل، وكل هذا لم يغير شيئا في مواقف هذه الحركة. مقري انتقل بسرعة من مهاجمة الخطوة التي أقدم عليها سلطاني وسعيدي إلى القول إن القضية عابرة وستعالج بحكمة، وهذا يعني أن الأمر قد يكون متفقا عليه، لكن الأهم من هذا هو حالة التخبط التي تمر بها حركة حمس، فهي تريد قيادة تنسيقية الانتقال الديمقراطي، لكنها لا تريد أن تقطع شعرة معاوية مع السلطة والفريق الآخر الذي يدعو إلى حوار يشارك فيه الجميع من أجل صياغة حل توافقي للأزمة، وحالة التيه هذه كانت حمس قد مرت بها في مطلع سنة 2011 عندما اعتقدت أن ما سمي بثورات الربيع العربي ستؤدي إلى التغيير، لكن خروجها من التحالف الرئاسي استغرق سنة كاملة بعد ذلك. حمس لا تملك رؤية واضحة لما يجري في الجزائر وفي الجوار، ونقص المعلومات هو الذي يجعلها تسعى إلى الاحتفاظ بكل الأوراق، وهذه نقطة ضعف قاتلة في تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وقد تتحول إلى مكسب للفريق الآخر الذي يدعو إلى تبني مبادرة الأفافاس. وفي كل الأحوال فإن حمس تنفق من رصيد مصداقيتها المتآكل بفعل السياسات المترددة والمتناقضة.