يثار هذه الأيام موضوع الحجاب وخصوصا الخمار، بسبب قرار مدير الجمارك الرافض لارتداء الخمار من طرف الجمركيات· هذا الموضوع أثير مرات عديدة، خاصة على مستوى الجيش والشرطة ومؤسسات حديثة أخرى، مثل التلفزيون، وهنا نتذكر الجواب الذي أطلقه المدير السابق للتلفزيون الوطني حمراوي حبيب شوقي حول سؤال وجهه له صحفي بشأن منع المحجبات من الظهور على هذه القناة، حيث قال ساعتها، »وظيفة التلفزيون هي الترويج للجمال«. طبعا هذا الكلام بعيد كل البعد عن حقيقة الدور الإعلامي لهكذا مؤسسة، وهو غريب عن أبجديات هذا التخصص· فمثل هذا الكلام لم نسمع به حتى في أكثر الدول الغربية تفتحا، بدليل وجود عجائز مترهلات في أكبر القنوات الفرنسية والأمريكية الغربية عموما، وقد رأينا إعلاميات تجاوزن الثمانين في أمريكاوفرنسا ورحلن عن هذا العالم وهن موظفات· فربط موضوع الجمال بالإعلام هو تهريج وتسطيح وبلادة في بلد باتت هذه المعايير هي التي تتحكم في كل شيء، ثم من يحدد مقاييس الجمال؟ ومن قال إن الخمار يتعارض مع الأناقة؟ الشق الثاني من الموضوع هو الفوضى القانونية التي تعيش فيها الجزائر عندما منعت فرنسا الحجاب في المؤسسات العمومية والنقاب في الأماكن العامة، لم تفعل ذلك بطريقة السيد مدير الجمارك أو غيره، أي بقرار انفرادي، بل تمت مناقشة الموضوع في البرلمان، وخضع لتصويت ديمقراطي· طبعا لا مجال هنا للمقارنة بين البلدين حول الموضوع، بل حول كيفية معالجة هذه المسألة لأن الجزائر دولة مسلمة بنص القانون والدستور، وبالتالي فلا مجال فيها لمناقشة هكذا موضوع يخضع لصميم العقيدة التي يؤمن بها الشعب، في حين فرنسا حرة في أن تطبق القوانين التي يصوت عليها ممثلو الشعب الفرنسي بكل سيادة· المشكل في الجزائر هو عدم وجود قانون يمنع ارتداء الخمار، لذا فإن المنطق يقتضي طرح الموضوع على المؤسسات التشريعية والقانونية، هذا إن تجرأ أحد على طلب ذلك، لأنه سيكون ساعتها قد فتح على نفسه أبواب جهنم· ومادام هذا الأمر غير ممكن، فإن العقل يفترض أن تترك الحرية لكل واحدة بارتداء الخمار أو عدمه، في هذه الحالة تصبح المؤسسات ملزمة بالتكيف مع هذا القرار، من خلال وضع خمار عملي رسمي موحد بتماشى مع الزي الرسمي للجمارك تماما مثلما فعلت مصالح البريد التي تلبس الموظفات المحجبات فيها خمارا رسميا يحمل شعار البريد· إن طرح هذا الموضوع في حد ذاته هو نزول بالنقاش إلى مستويات جد دنيا، فكيف تهتدي بريطانيا وأستراليا ودول الشمال وأمريكا إلى هذه الفكرة وتسمح للمحجبات وأسلاك الشرطة والأمن والحماية المدنية وغيرها بارتداء الخمار، ويجرؤ مسؤولون جزائريون على منع الخمار في المؤسسات الوطنية، مثل المستشفيات العسكرية والإدارات والتلفزيون والشرطة والجمارك وغيرها، بطريقة غير قانونية· لا يمكن أن نصف هذا القرار إلا بالعيب والعبث وعدم احترام الشعب واحتقار عقيدته لتمسكه بقيم الاحتشام والتعفف مع ملاحظة أنه ليست كل من لبست خمارا محتشمة ومتخلقة· وكل من لم تلبسه ساقطة· فذاك موضوع آخر.