جدد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في برقية تهنئة وجهها إلى العاهل المغربي محمد السادس في ذكرى استقلال المغرب، حرص الجزائر على تحسين العلاقات الثنائية وتجاوز حالة التوتر التي تميز هذه العلاقات منذ فترة طويلة، ويأتي ذلك بالتزامن مع استمرار النظام المغربي في سياسة التحرش بالجزائر التي تجاوزت الخطوط الحمراء في الفترة الأخيرة. أكد رئيس الجمهورية في برقية تهنئة بعث بها إلى العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة احتفال بلاده بالذكرى ال 59 لعيد استقلال، حرصه الشديد على »توثيق علاقات الأخوة التي تربط البلدين«، وقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة: »يطيب لي والشعب المغربي الشقيق يحتفي بالذكرى التاسعة والخمسين لعيد استقلاله المجيد أن أعرب لكم باسم الجزائر شعبا وحكومة وأصالة عن نفسي عن أحر التهاني وأزكى التبريكات، داعيا الله العلي القدير أن يديم على جلالتكم وكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة نعمة الصحة والهناء وأن يحقق للشعب المغربي الشقيق اطراد التقدم والرقي تحت قيادتكم الرشيدة«، مضيفا: »إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أستحضر في هذه المناسبة الغالية مآثر التلاحم الصادق والتآزر الأخوي والتضحيات الجسام التي بذلها شعبانا أثناء نضالهما البطولي المشترك ضد الاستعمار الغاشم من أجل استرجاع السيادة والاستقلال«، وواصل رئيس الجمهورية يقول : »وإذ أشاطركم والشعب المغربي الأفراح فإنه لا يفوتني أن أجدد حرصي على توثيق علاقات الأخوة التي تربط بلدينا والارتقاء بها بحيث تشمل كافة المجالات بما يعود بالخير العميم وبالفائدة على كلا شعبينا الشقيقين«. وتأتي برقية التهنئة في ظل أجواء جد خاصة تميز العلاقات بين البلدين، فلا يزال التوتر يسيطر على العلاقات الثنائية وهذا منذ عدة أشهر بسبب سياسة التصعيد والتحرش بالجزائر التي ينتهجها نظام المخزن في محاولة للزج بالجزائر في مناوشات لا طائل من وراءها، هدفها فك الحصار المضروب على النظام المغربي من قبل المجتمع الدولي وانتقادات المجتمع الدولي للرباط على خلفية سياساتها القمعية وانتهاكاتها الصارخة والمستمرة لحقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة. وقبل أيام فقط بعث ملك المغرب ببرقية تهنئة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الذكرى ال 60 لاندلاع ثورة نوفمبر، ووصف العاهل المغربي، محمد السادس، الثورة الجزائرية بالتاريخية، وعبر عن تحيته للشعب الجزائري في ذكرى وصفها بالمرحلة الحاسمة في نضاله البطولي من أجل الحرية والاستقلال والكرامة. وتبدو رسائل التهنئة المتبادلة بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وملك المغرب محمد السادس كعادة دبلوماسية هدفها الاحتفاظ ب »شعرة معاوية« التي يصر الطرفان سواء في الجزائر أوفي المغربي على عدم التفريط فيها حتى في أصعب الأوقات ورغم التوتر الذي تعرفه العلاقات بين البلدين منذ فترة طويلة، فهذه البرقيات التي عادة ما تكون حبلى بالمشاعر المعبرة عن إرادة البلدين لتحسين العلاقات وتجاوز ما يعترضها من عوارض وما يشوبها من صدامات، تبقى تشكل الرابط الوحيد الذي يمنح الفرصة مستقبلا للقيام بعمل حقيقي من أجل تحسين هذه العلاقات والخروج بها من دائرة التحرش وتبادل الاتهامات. اللافت أن برقية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شأنها شأن مثيلتها التي بعث بها محمد السادس في عيد الثورة الجزائرية، تتزامن مع سجال دبلوماسي غير مسبوق ومع أجواء التوتر التي قال عنها الكثير من المراقبين أنها تشبه كثيرا تلك الأجواء التي تسبق الحروب الساخنة بين الدول، فقبل أكثر من شهر استدعى المغرب سفير الجزائر في الرباط للاحتجاج على ما اسماه بحادثة »قنص جنود في الجيش الجزائري مواطن مغربي على الحدود«، وردت الجزائر بالمثل واستدعت القائم بالأعمال المغربي في الجزائر، في غياب السفير، وكشفت الخارجية الجزائرية بما لا يدع أي مجال للشك بأن النظام المغربي قام بفبركة الحادثة للتحرش بالجزائر، مع هذا لم تتوقف آلة الدعاية المغربية وواصلت حمالاتها ضد الجزائر بالتزامن مع تصريحات رسمية خطيرة نزلت بمستوى النقاش إلى الحضيض، وهو ما يمكن تبيانه من خلال مراجعة خطابات ملك المغرب ورئيس حكومته ووزيري الخارجية والداخلية. وكان العاهل المغربي محمد السادس قد كرر كالعادة في خطاب ألقاه في الذكرى ال 39 لما يسميه المغرب »المسيرة الخضراء«، اتهام الجزائر بتهديد الوحدة الترابية للمغرب، ليتبين فيما بعد بأن اتهامات الرباط تشكل معالم سياسة متكاملة وإستراتيجية مدروسة هدفها تقديم النظام الاستعماري المغربي في ثوب الضحية والإفلات من الضغط الدولي الرسمي والجمعوي بسبب سياسات المغرب في الصحراء الغربية، وكان وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، قد صرح وهو يعرض الميزانية الفرعية لقطاعه في إطار قانون المالية لسنة 2015، بالبرلمان، إن »قضية الدفاع عن الوحدة الترابية ستكون على رأسِ التوجهات الكبرى، وأولويات الدبلوماسية المغربية خلال السنة القادمة«، وأوضح الوزير المغربي أن المغرب »سيكثف تواجده على جميع الأصعدة لغلق الأبواب أمام محاولات الجزائر الركوب على قضية حقوق الإنسان لتحقيق مآربها الانفصالية«، على حد زعمه.