قال سيد أحمد غزالي صراحة، في تصريح صحفي: »قد يأتي التغيير عندنا من داخل الجيش على يد واحد من هذه المؤسسة، ينتفض ويعلن بأن الوضع لا ينبغي أن يستمر هكذا..«. وقال أحد المعارضين، إن ما وقع في توقرت دليل على شغور السلطة. هذه التصريحات الغريبة، تؤكد »عبقرية« المعارضة في بلادنا، حيث أنها تحمل من الإثارة والتهويل أكثر مما تقترح من خيارات وبدائل، اللهم إلا إذا كان البديل هو ما يقترحه غزالي وأشباهه. ينبغي في البداية تقديم التعازي لعائلات الشابين اللذين توفيا خلال الأحداث المأساوية التي شهدتها توقرت، ذلك أن مقتل مواطن، مهما كانت الأسباب، ليس بالأمر الهين الذي يمكن تقبله بسهولة أو التعامل معه، وكأنه لا حدث أو أنه كان أمرا محتوما لا مفر منه. لا اختلاف على ضرورة وجود معارضة سياسية قوية، لأن ذلك هو التعبير الأبسط عن وجود السياسة ذاتها، ومن الطبيعي جدا أن تنتقد المعارضة الحكومة والوالي ورئيس الدائرة ومسؤول الأمن وتتهم الجميع بالتقصير والتقاعس والإهمال، وأن تحاول استمالة المواطنين من خلال التضامن معهم والوقوف إلى جانبهم، لأن ذلك يندرج في صميم السياسة وفي صلب وظيفة المعارضة، التي عليها أن تجهر بمواقفها، عبر تقديم المقترحات والبدائل، وليس من خلال الشطحات السياسية وإثارة الجدل العقيم والتصريحات الصحفية المبتسرة، كتلك التي صدرت عن غزالي وأمثاله. إن كثيرا من الطروحات التي، تردد في التصريحات والبيانات أصحبت مثل الأسطوانة المشروخة، مما يؤكد إفلاس أصحابها وعجزهم عن تقديم مواقف مدروسة ومسؤولة، تعبر عن اهتمامات المواطن وانشغالاته، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو غيرها، وهذا انطلاقا من أن الأساس في أي عمل سياسي هو أن يقوم على أرضية حقيقية ويعكس اهتمامات قاعدة مجتمعية قوية. إنه من الضروري التوقف بالتأمل والتفكير أمام تلك التصريحات التي دأبت بعض قيادات المعارضة على ترديدها، مما قد يوحي للقادم من بعيد بأن الجزائر تعيش داخل سجن كبير وأن شعبها مكمم الأفواه ومقيد الحركة وأنها أقرب ما يكون إلى المجاعة والانفجار. أما المخرج فهو القيام بانقلاب عسكري، حسب فتوى رئيس الحكومة الأسبق، وهو الذي يدعي بأنه حامي حمى الديمقراطية في البلاد والحارس الأمين على مصلحة العباد. لقد اعتلى سيد أحمد غزالي، وهو الذي كان وزيرا للمالية والخارجية ورئيس حكومة في الدولة الجزائرية، منصة المعارضة وراح يعطي الدروس ويتحدث عن »النظام الفاسد والمريض« وما إلى ذلك من نعوت وأوصاف وفتاوى، إلى درجة يبدو فيها وكأنه نبي هذا الزمان أو أنه قد نزل علينا من المريخ وأنه لم يكن مسؤولا أو أنه كان المثال والقدوة أو أن النظام في عهده كان صالحا وأنه اليوم غير ذلك. إن أي عملية سياسية يجب أن تكون مؤسسة على رغبة جماهيرية وليس على طموحات شخصية، ولذلك نجد أن النخب المعارضة تطرح قضايا لا تقع في اهتمامات الجماهير وتغرق في مسائل ليست في صلب انشغالات الرأي العام وتجد متعتها في الإثارة وترويج البهتان وتسويق الأوهام. وضمن هذا السياق، يعود بنا البعض إلى جدل تجاوزته الأحداث، بتنظيم الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس بوتفليقة بثقة الشعب، فهل يجب تذكير مسؤول ذلك الحزب هو وأمثاله، بأن المجلس الدستوري قبل ملف ترشح الرئيس للعهدة الرابعة وأعلن نجاحه رسميا وأدى اليمين الدستورية وهو اليوم يمارس مهامه في إدارة الدولة، بصفته رئيس الجمهورية، فكيف يمكن العودة إلى ذلك الجدل، أليس ذلك دعوة صريحة إلى السطو على إرادة الشعب والانقلاب على الشرعية. هكذا يفكر غزالي، وتلك هي الخيارات التي يلتصق بها، وهو يؤكد في كل مرة تلك الصورة الفاضحة عن مدى الإفلاس السياسي الذي يعاني منه هو وتلك المعارضة التي بدت متأثرة بما حدث في تقرت، وهذا أمر طبيعي، لأن أرواح الجزائريين تهم الجميع ويجب أن يحرص عليها الجميع، إلا أنها جعلت من مقتل الشابين قضية لتصفية حسابات سياسية ضيقة وملفا للربح في سوق السياسة، ولو اقتضى الأمر المتاجرة بدماء الضحايا والدعوة إلى انقلاب عسكري.