رحّلت، أمس، أزيد من 1000 عائلة من حي »القبب« المسمى ديار البركة ببراقي من سكناتهم الهشة إلى حي 1078 مسكن ببن طلحة في ظروف جيّدة ميزتها الأجواء البهيجة التي صنعتها العائلات المرحلة والتنظيم الحسن، الذي طبع العملية منذ الساعات الأولى من انطلاقها. كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحا عندما دخلنا حي 1078 مسكن ببن طلحة ببراقي وما بدا لنا من الوهلة الأولى هو أنّنا كنا أول الزائرين للحي من أجل مشاركة العائلات المرحلة فرحتهم بالمساكن الجديدة التي انتظروها لسنوات طويلة تختصرها معاناة ومأساة مريرة عايشوها بمساكن هشة بحيهم القديم حي »القبب« والذي يضم 566 قبّة كانت شاهدة على سنوات طوال من الألم و»الميزيرية« التي تخبطت فيها مئات العائلات ومنهم من حمل حلم البيت الدافئ والسقف الحامي إلى قبره، لكن اليوم تحقق للكثيرين الحلم وجسّدت الوعود وهاهي وجوه سكان »القبب« منيرة ومشعة . بمجرّد دخولنا الحي الجديد لفت انتباهنا صراخ الأطفال وركضهم فرحين ومبتهجين بوصول الشاحنات التي تحمل أثاثهم وحاجياتهم، بالإضافة إلى انتشار أعوان الأمن وتطويقهم للحي من جميع مداخله ومخارجه، سيارة إسعاف إلى جانب شاحنة الحماية المدنية متوقفتان داخل الحي وعند كل مدخل عمارة مجموعة من العمال ينتظرون وصول الشاحنات لمباشرة إدخال الأثاث للشقق المعنية، ووفود العائلات لا تكاد تتوقف إلى الحي الجديد الذي تعالت منه أصوات الزغاريد. »كنّا ميتين واليوم حيينا« اقتربنا من بعض العائلات من أجل رصد انطباعاتهم حول المساكن الجديدة التي رحلوا إليها وما كان منا سوى الانتظار أمام مكتب تسليم مفاتيح الشقق حتّى وصل أحد المواطنين وقدم بطاقة تعريفه الوطنية ووصل استفادته من سكن، ثم استلم مفتاح الشقة ورافقه عون ليدله عليها، عندها اقتربنا منه وباركنا له ثم دعانا إلى مرافقته والحديث مع زوجته، وصلنا إلى شقة حسن ودخلناها رفقة زوجته وابنهما وأختها وما إن فتحت الباب حتى انغمرت عينا زوجة حسن بالدموع وراحت تردد »مشاء الله، الحمد لله«، تركناهم لفترة من الزمن ليتفقدوا بيتهم الجديد ثم اقتربنا منهم فقالت الزوجة والفرحة لا تسعها: »لا أستطيع أن أصف لكم فرحتي، عانيت مدة 14سنة في بيت هش، والله معاناة كبيرة ريحة الحمى عفاكم الله، الجرذان والفئران عايشين معنا، لكن الآن الحمد لله شقة رائعة«. وقبل أن تكمل كلامها قاطعها حسان قائلا: »فرحتنا كبيرة خاصة اللي خلاونا في نفس البلدية، فبهذا نحن أقرب من أماكن عملنا ولن نضطرّ إلى تغيير مدرسة ابننا«، تركنا حسان وعائلته يستمتعون بتفقد البيت الجديد الذي لطالما رأوه في أحلامهم وغادرنا العمارة إلى الأخرى المقابلة لها فوجدنا سيدة تطل من شرفة الطابق الأول لتتفقد الحي، صعدنا إليها فاستقبلتنا بفرحة عارمة هي وزوجها وأطفالهم الثلاثة، وبدأت تروي لنا المأساة التي عايشتها مدة 12سنة في بيت يضم 5 عائلات وعرجت قائلة: »كنا نعيش مع 24شخصا في بيت لا يصح للحيوان حتى، واليوم عند الساعة التاسعة ولدنا من جديد، الشقة رائعة ولا يمكن أن نقارنها بالبيوت التي نعيش فيها، الحمد لله شوفوا أطفالي راح يطيروا من الفرحة«. وأضاف السيد قبّي قائلا: »أنا فرحتي أصفها لكم في كلمتين كنت ميت واليوم حييت من جديد«، لتنطلق بعدها الزغاريد التي عمت الشقة. ونحن خارجون من العمارة اعترضنا طفل في العاشرة من العمر علامات السعادة تطبع ملامحه، سألناه عن سر سروره فأجابنا أن الحي نال إعجابه خاصة لتوفر الحديقة على ألعاب للأطفال كما أنه لطالما حلم ببيت لا يستعر منه أمام أصدقائه واليوم تحقق حلمه، طلبنا من الطفل أن يدلنا على أسرته لننقل الأجواء عندهم، وبالفعل دلنا على واده رشيد الذي ما إن قابلناه حتّى راح يحدثنا عن حي ديار البركة الذي كان يعيش به والذي يعود تاريخه إلى أكثر من 50 عاما وأضاف: »حي »القبب« هو الحي الذي ولدنا به وعشنا فيه الحلو والمر لذلك اليوم تأثرنا ونحن نتركه لكن السكن به أضحى محالا لأن البيوت أصبحت مهترئة، وما قامت به الدولة تجاهنا اعتبره تكريم لأننا تسلمنا بيوتا لائقة تجعلنا نحس بأننا أفراد في المجتمع«. تركنا حي 1078 مسكن الجديد ببن طلحة ببراقي يستقبل المزيد من العائلات المرحلة وسط أجواء تنظيمية محكمة شهدنا عليها ونحن في طريق الذهاب الذي مكننا من متابعة عملية الترحيل من حي ديار البركة إلى غاية حي بن طلحة الجديد ولم يظهر أي لبس أو مشاكل.