طمأن البروفيسور المختص في علم الأوبئة والطب الوقائي بمستشفى مصطفى باشا الجامعي عبد الوهاب بن قونية، في حوار ل » صوت الأحرار «، أن الانفلونزا الموسمية المنتشرة اليوم في البلاد والتي خلفت أكثر من عشر وفيات خلال الأيام القليلة الماضية، هو مرض عادي، و» أش1 أن 1 « لا يجب أن يكون بالضرورة انفلونزا الخنازير، لأن كل الأوبئة المتعلقة بالانفلونزا الموسمية راجع إلى التركيبة البروتينية لهذا الفيروس، وشدد على ضرورة التلقيح لدى الفئات الهشة لضعف جهاز مناعتهم باعتباره سلاحا وقائيا، مطالبا في هذا الصدد تجسيد مشروع إنشاء المعهد الوطني لليقظة الصحية. يلاحظ مؤخرا انتشار مخيف للزكام، حيث تسبب في عديد الوفيات، مما جعل المواطنين يتخوفون من انتقال العدوى، وسط كثرة الإشاعات حول ما إذا كانت حقا أنفلونزا موسمية أو جاءت من الطيور أو الخنازير؟ الأنفلونزا المنتشرة اليوم في البلاد والتي خلفت عددا من الوفيات خلال الأيام القليلة الماضية، لا علاقة لها بفيروس أنفلونزا الخنازير » أش 1 أن 1 «، حيث لا يمكن أن تكون إلا موسمية، إلا أنها جاءت أكثر خطورة خلال هذا الموسم على غير السنوات الماضية، و» أش1 أن 1 « لا يجب أن يكون بالضرورة أنفلونزا الخنازير، لأن كل الأوبئة المتعلقة بالأنفلونزا الموسمية تعود إلى التركيبة البروتينية لهذا الفيروس، حيث يعرف فيروس الانفلونزا الموسمية بأنه مرض خطير وغير خطير في نفس الوقت، حسب تشكيلته الجينية التي تتغير في كل سنة، بحيث يبتعد عن الفيروس الأصلي ويمكن أن تزيد تركيبته أو تنقص حسب تلك التغيرات إلى أن يصبح فيروسا غريبا وهذا يحدث كل عشر سنوات، ولما يدخل هذا الفيروس المجتمع يكون لقاحه بعيدا عنه بكثير، وفي هذه الحالات تنتشر فيه الأوبئة لأن الفيروس الأول مختلف عن الآخر، بحيث يمكن أن يكون هنا قاتلا لاسيما عند الفئات الهشة لضعف جهاز مناعتهم، وأرى أن تخوف المواطنين من هذه الأمراض العادية، يعود أساسا لغياب أو ضعف الإتصال وحملات التوعية والتحسيس بمثل هذه الأمراض لمواجهة شكوك المواطنين، وللتوضيح أكثر فمن الناحية التاريخية نذكر أن انفلونزا الإسبانية خلال الحرب العالمية الأولى 1918-1919 قتلت أكثر من 40 مليون شخصا خلال 11 شهرا وانتشرت حول العالم بأسره، فهو بالتالي مرض خطير وسريع الانتشار، مما جعل الجيش الأمريكي آنذاك يدرس هذا الوباء لأنه رأى أن له تأثير على العالم من ناحية التفكير الحربي وفي 1951 تم إيجاد تركيبة اللقاح المضاد للأنفلونزا الموسمية وأنفلونزا الخنازير. بصفتكم مختصا في علم الأوبئة، لماذا جاء فيروس الأنفلونزا الموسمية خلال هذه السنة أخطر من المواسم السابقة ؟ الجزائر حاليا هي في مرحلة مواجهة وباء الأنفلونزا الموسمية، وهناك أمراض تأتي ولا تتكرر، وفيروس الأنفلونزا هو مرض عادي وهو نفسه الذي يأتي كل عام، لكن خلال الموسم الحالي كان متواجدا بكثرة وهذا الانتشار أدى إلى وجود وباء نظرا لوجود أعراض لدى العديد من الأشخاص، مما أدى إلى تخوف العديد من المواطنين الذين اعتقدوا أنه فيروس أنفلونزا الخنازير » أش1 أن 1 «، ومن أجل توضيح الأمور فإن الأنفلونزا الموسمية تكمن خطورته حينما يعزف الناس عن التلقيح لاسيما عند الفئات الهشة، حيث أن أغلب عدد الحالات التي توفيت كانت مسنة وليس لديها المناعة الكافية ومصابة بأمراض مزمنة مثل داء السكري وضغط الدم وغيرها، بالإضافة إلى النساء الحوامل والأطفال نظرا لضعف جهاز المناعة لديهم، فالتلقيح والوقاية ضروريان في هذه الحالات لتجنب مضاعفات المرض الذي قد يؤدي إلى الوفاة، ففي ظل غياب العناية والمتابعة الصحية فمن الطبيعي أن يلقى المصاب مصير الموت، ولا نغفل أمرا آخر وهو أن التغيرات المناخية قد تؤدي إلى انتشار الفيروس والجزائر سجلت خلال هذه الفترة انخفاضا في درجات الحرارة التي جعلت من الانفلونزا الموسمية أكثر حدة وانتشارا لاسيما في الأماكن العامة وفي المدن، أين يكثر الإحتكاك بين الأشخاص مما أدى إلى ارتفاع نسبة الوفيات على خلاف السنوات الماضية، لذا ننصح المريض المكوث في البيت طوال فترة علاجه لتجنب انتقال العدوى. ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها في هذه الحالات أو ما هي الطريقة المثلى للوقاية من الإصابة باالأنفلونزا الموسمية؟ توعية المواطن بماهية مرض الأنفلونزا الموسمية تعتبر أمرا مهما، لتجنب مخاطره والوقاية منه، والتلقيح يعتبر سلاحا ضد هذا الفيروس المتغير سنويا للحفاظ على صحة الأفراد باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتجنب الإصابة بالعدوى، لكن الحيطة والحذر واجبة وخير سلاح هو التلقيح حتى بالنسبة للأشخاص العاديين ومن الأحسن أن يكون التلقيح بداية من فصل الخريف، لاسيما وأن هذا المرض بإمكانه أن يتحول إلى وباء خطير يهدد الصحة العمومية في حالة انتشاره خاصة وأنه فتك بالعديد من الأرواح على المستوى العالمي في سنوات خلت، وتقل نسبة الخطورة على صحة الفرد والجماعة إذا تمت عملية التلقيح المناسب في الفترة المحددة، لكن في المقابل تبقى الحماية لدى الفئة التي تتطلب التلقيح تكون بنسبة عالية لتتضاءل فيها حدة الأعراض لدى المصاب إذا أجري في وقته المناسب ليمنح مناعة ضد المرض للشخص الذي يلقح به حيث يجعل تأثير فيروس الأنفلونزا خفيفا على المصاب حال التعرض له، مما يجنب تعقد حالته الصحية جراء الإصابة بالفيروس والتقليل من العدوى، والطبيب هو من يحدد الفئات الأكثر حاجة للتلقيح كما بإمكان الأشخاص العاديين أن يطعموا ضد ذات المرض من باب الوقاية. أشارت وزارة الصحة إلى أن المعدل السنوي لحالات الإصابة بالأنفلونزا الموسمية المسجلة بالجزائر يقدر بمليوني حالة تقابلها ألفي حالة وفاة، هل توقعون ارتفاع عدد الحالات في الإصابة بالأنفلونزا الموسمية؟ هذه التقديرات جاءت من طرف المنظمة العالمية للصحة، وتبقى هذه الأرقام مجرد تقديرات، حيث أنه من الممكن أن يكون عدد » 1 في الألف « مختلفا في السنوات التي قد مضت والتي ستتبعها، ، ضف إلى ذلك أن هناك من المتوفيين لم يصرح بهم على مستوى الهيئات الصحية، لكن هذه الأرقام تستدعي من طرف الوزارة توعية المواطنين بأهمية التلقيح للوقاية من الإصابة بالأنفلونزا التي تتزايد بشكل تدريجي بداية من النصف الثاني من أكتوبر، وتستمر حتى بداية الصيف، مما يستدعي القيام بالتطعيم سنويا لتجنب ارتفاع عدد الإصابات وفي الأوقات المخصصة لذلك، لأن الحماية تمتد على مدار سنة تقريبا، والخطورة كما ذكرت أعلاه تكمن في تغير تركيبة الفيروس من سنة إلى أخرى، كما أنه في الوقت ذاته يمكن أن تكون درجة الخطر متضائلة عكس ذلك تماما أي عند تلقيح الأشخاص تنخفض نسبة العدوى بينهم . هل تم تسجل أية حالة وفاة بسبب الأنفلونزا الموسمية بالمركز الاستشفائي الجامعي مصطفى؟ وكيف تتعاملون مع الحالات التي تم استقبالها من طرف مصالحكم ؟ طبعا، سجلت حالات وفاة بالإنفلونزا الموسمية بالمستشفى تتعلق بأشخاص من الشريحة الهشة، لكنه يعتبر عددا عاديا يتم تسجيله كل سنة مقارنة بحدة المرض، ولقد لاحظنا على مستوى مصلحة الاستعجالات تخوفا كبيرا لدى المواطنين من انتقال العدوى إليهم لاسيما عند استقبال الحالات المشكوك فيها، وفي في هذا الصدد أقول أنه لا داعي لتهويل الأمر، لأن الانفلونزا الموسمية هو مرض عادي ومن صفاته عبارة» v« والتي تشير إلى أن هذا المرض يصل في بعض الأحيان إلى حدته ليتراجع ويصبح أقل خطورة، وأؤكد ما سبق أن أكدته وزارة الصحة على أن جل الإصابات التي توفيت لا علاقة لها بانفلونزا الخنازير، ذلك حسب التحاليل التي أجريت على مستوى معهد باستور والتي تتعلق بالانفلونزا الموسمية، وبخصوص العلاج فهو بسيط للغاية يتمثل في تخفيض الحمى وتقديم فيتامينات للمريض وننصحه بتناول الوجبات الصحية وعدم التعرض للبرد. في رأيكم ما هي الإجراءات السريعة الخاصة بالحالات المشكوك فيها ؟ في بعض الحالات الخطيرة التي يتم استقبالها على مستوى المستشفى نعمل على عزلها، ونقوم بتشخيصها » كلينيكيا « وعندما تكون الحالة في وسط وبائي، يتم إدخالها لقاعات الإنعاش وتشديد الرقابة الطبية عليها، ذلك تفاديا للعدوى والتعقيدات المحتملة، كما أنه من بين العوامل التي يتم اتخاذها هو تجنب التلقيح بعد الإصابة، فمن أعراض التلقيح لدى المريض هو ارتفاع درجة الحرارة وهي حالات استثنائية، أما التحاليل المتعلقة بحالة المريض فهي تفيدنا في تصنيف الفيروس الذي أصاب ذلك الشخص. هل تستجيب الجزائر إلى المعايير الدولية الخاصة بهذا المجال من خلال توفير الإمكانيات البشرية والمنشآت والتجهيزات الطبية اللازمة لمواجهة أي وباء دخيل على البلد ؟ ليس بالتحديد كبعض الدول المتقدمة التي تتوفر على معاهد مرجعية للكشف عن الأوبئة، ولكن بالرغم من ذلك لدينا وسائل معتبرة في الجزائر، ولقد قام برنامج الأممالمتحدة للتنمية بتصنيف الجزائر حسب مؤشر التطور الإنساني في المرتبة 93 من بين دول العالم وهذا ما يدل أننا جد بعيدين عن تلك المعايير لمواجهة أي وباء، ضف إلى ذلك أنه قليل من بلدان العالم حتى المتطورة منها من تستطيع مواجهة انتشار الأوبئة. أكدت إحصائيات أن 20 بالمائة من المصابين بالأنفلونزا في الجزائر هم أطفال، هل هذا يتطلب مراجعة الرزنانة الوطنية للقاحات الأطفال؟ لاسيما بعد إدراج 4 لقاحات في هذه الرزنانة ؟ إن إدراج لقاحات جديدة خطأ قامت بها المصالح الطبية، فبصفتي كطبيب مختص فإنه يمكن الإستغناء عن هذه اللقاحات، كلقاح الشلل عن طريق الحقن، كما أن التلقيح ضد الحصبة الألمانية يخص الطفلة الأنثى فقط نظرا لخطورته على الجنين مستقبلا، فيما تنحصر خطورة مرض النكاف » أوريون « على الطفل الذكر، نفس الشيء بالنسبة للأنفلونزا الموسمية فلا داعي لإدراج اللقاح في هذه الرزنانة لأنه مرض عادي. وضعت وزارة الصحة مخططا وطنيا وقائيا لمواجهة التهديدات الصحية ذات الخطر الوبائي، هل هذه الإجراءات لها علاقة بمضاعفات الأنفلونزا الموسمية وهل يعني أن الجزائر مهددة بانتشار فيروسات أخرى خطيرة ؟ من المهم أن يكون هناك مخطط وطني لمواجهة الأوبئة، فالجزائر كغيرها من البلدان التي تتعرض لأوبئة خطيرة، لاسيما وأن موقعها الجغرافي يقع بين شمال إفريقيا وجنوب القارة الأوروبية، تسمح لها بانتقال العديد من الأمراض المحاطة بإفريقيا الوسطى وأوروبا شمالا، فهي عرضة لكل الأوبئة القادمة من هذه البلدان، ومن هنا تكمن أهمية إنشاء معهد لليقظة والحذر وإدراجه ضمن المخطط الوطني لمواجهة الأوبئة، وهذا المشروع الذي كنت قد أعددته في 2002 ولم ير النور لحد الساعة، لاسيما وأنه يتضمن إدارة مستقلة عن الوزارة مما يعني الإستمرارية، لأن الإدارة هي الضامن الوحيد لاستمرارية الدولة وإنشاء هذا المعهد الوطني الذي يعتبر مؤسسة تتضمن وسائل تقنية وموارد بشرية من مختلف التخصصات في جميع الميادين من أطباء وبيولوجيين وعلماء في النفس والإنسانية وخبراء في الإقتصاد ومختلف الفاعلين على غرار رجال الإعلام، لضمان الصحة العمومية، وأطالب وزارة الصحة بالتدخل من أجل منح إشارة انطلاق هذا المشروع من خلال إنشاء المعهد الوطني لليقظة الصحية الذي بقي يراوح مكانه منذ 15 سنة، لاسيما وأن هذا المعهد يلعب دورا كبيرا في الكشف المبكر لكل أنواع الأوبئة، التي قد تنتشر في البلاد سواء المتنقلة عبر الجو أو الناتجة عن استغلال صناعي أو اقتصادي كما هو الحال مع الغاز الصخري، وأتمنى أن لا يبقى هذا المشروع طي الأدراج. لم تسجل بالجزائر إصابات بفيروس الإيبولا بالرغم من انتشار الداء في بلدان المجاورة على غرار المالي، بماذا تفسرون ذلك؟ لم ينتشر مرض الإيبولا في الجزائر، الذي قد ينتقل بطرق غير معروفة، ولم يصلنا المرض لأننا لم نصل مرحلة انتقال العدوى لأن الحالة التي سجلت على الحدود المالية هي حالة منعزلة، لكن الجزائر اليوم ليست في منأى من هذا المرض الخطير ولهذا فعلى وزارة الصحة أخذ الحيطة والحذر، لأن هذا المرض ينتشر بسرعة فائقة، وفيما يتعلق بداء الملاريا التي سجلت في السنوات الماضية كانت قد انتقلت عن طريق انتقال محلي .