دار الزمان دورته وها هو يصل بنا شهر رمضان الكريم الذي نحن بصدد ترقب إطلالة هلاله المبارك، الذي نريده أن يحل علينا كجزائريين بمزيد من نفحاته الإيمانية المطهرة للنفوس المدعوة إلى التوبة والعودة إلى بارئها الذي هو وحده الغفار للذنوب، خاصة في هذا الشهر الفضيل المعروف عنه بأنه تصفد فيه أبواب النار وتفتح أبواب الجنة أمام عباد الله المؤمنين به ربا وبمحمد (ص) رسولا ونبيا وبالقرآن العظيم كتابا منزلا من لدنه؟ إن حلول شهر رمضان هذا العام نريده أن لا يكون كعادته مرادفا لتلك المظاهر التي ألفناها والمتمثلة في التهاب أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع في رمضان، الذي من المفروض أن تعرف فيه انخفاضا تبعا للقيم النبيلة التي يتضمنها، ومنها على وجه التحديد التراحم والتكافل والتضامن الاجتماعي بين الجزائريين، الذين كثيرا ما تنهك أيامهم في الجري وراء اقتناء المواد التي تعرف ندرة ونقصانا في هذا الشهر، ويأتي لهيب الأسعار، نتيجة الاحتكار والمضاربة وازدياد اللهفة والتهافت على جيوب المواطنين، خاصة منهم ذوي الدخل المحدود؟ لاشك أن مظاهر اللهفة والتهافت التي ألفها المواطن في الجزائر كلما حل الشهر الفضيل، لا تمت بصلة إلى فضائل شهر الصيام التي من بينها تربية وتهذيب النفوس ليس على مستوى الاستهلاك فحسب، بل على مستوى الطاعات والآداب الإسلامية السمحة؟ إذا كان المواطن مطالب في رمضان بالتعقل والاعتدال وعدم الإسراف في الاستهلاك والتبذير المفرط، الذي هو مناف لمقاصد وغايات الصيام التي تعطي للجوانب الروحية والإيمانية المساحة الأكبر، فإن السلطات العمومية من جانبها مدعوة إلى العمل على ضبط أمورها لجعل السوق الوطنية أكثر أمنا واستقرارا، لا مجال فيها للفوضى والمضاربة والاحتكار والتلاعب بالأسعار من قبل بارونات السمسرة والسطو على جيوب المستهلكين من ذوي الدخل الضعيف وحتى المتوسط، الذين لا يقدرون على مسايرة غلاء الأسعار دون مبرر اقتصادي؟ لقد ألفنا سماع الأسطوانة المشروخة مع حلول كل شهر رمضان والقائلة بأن كل الظروف قد هيئت لصيام شهر رمضان في أفضل الأحوال، غير أن الواقع عادة لا يعكس هذه التطمينات المتأتية من الهيئات المختصة والمعنية بتوفير كل ما هو كاف من المواد الاستهلاكية والغذائية منها خصوصا، لأن الأيام الأولى لشهر صيام دائما ما تعرف نوعا من الاضطراب والاختلال بين العرض والطلب، كما تعرف نوعا من التهاون والتساهل إن لم نقل التسيب في مجال جد حساس، هو مراقبة حركة السوق وما يتخللها من مضاربة وغش واحتكار لبعض المواد بقصد رفع أسعارها بطريقة جنونية، دون أي وازع ضمير ولا رادع ديني وأخلاقي ولا قانوني أيضا، الأمر الذي يجعل الصائم بين أيدي أولئك الذين لا يهمهم سوى ملء جيوبهم على حساب الأغلبية الساحقة؟
إن مناسبة شهر رمضان لا ينبغي أن تأخذ من أوقاتنا وأموالنا وأفكارنا ما يرتبط بملء بطوننا من أنواع المأكولات والمشروبات، بقدر ما يجب أن نعطي الفرصة لأداء فريضة الصيام على الوجه الأكمل، إيمانا واحتسابا حتى نتقرب أكثر من خالقنا الذي أمرنا في هذا الشهر المعظم بالابتعاد عن كل من شأنه أن يحرم الصائم من الفوز بالتوبة والغفران في شهر القرآن؟