فرنسا البلد الأكثر اعتدادا بماضيه الاستعماري، ويُفسر ذلك أيضا سبب تنكّرها لواجب الاعتراف بجرائمها المخزية في الجزائر، وعلى رأس تلك القائمة الجرائم التي ترقى لتكون لتوصف بأنها جرائم ضد الإنسانية. وحتى عندما يفتح الفرنسيون عيونهم على الحقيقة ويلتفتون إلى الوراء يقومون بإجراءات محتشمة جدا ولكن بهالة إعلامية كبيرة مثلما حدث مع محاولة تعويض ضحايا تجاربها النووية التي فجرتها في مستعمراتها السابقة ومنها رقان في صحراء الجزائر.. خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء، هكذا هي باريس تجاه ماضيها الاستعماري الكريه، قانون يمجّد الاستعمار ورفض مطلق للاعتراف بالجرائم وتنكّر للاعتذار مقابل تصريحات للاستهلاك بأن بعض ممارساتها بالأمس كانت مؤلمة أو استبدال واجب كتابة التاريخ بواجب الاعتذار أو الحديث عن المستقبل لتجاوز إرث الماضي، أو بالدعوة لترك التأريخ للمؤرخين..إلخ في كل مرة تعود تواريخ الخزي الاستعماري فنعيد تذكير أجيالنا بما اقترفت أيدي الجلادين وما فعلت تلك السياسات المقيتة والعنصرية، غير أن واجب الذاكرة يحتّم النضال من أجل علاقات ندية ومتوازنة بين الجزائروفرنسا بما يصون واجب الذاكرة. الاعتراف بما اقترفت أيديهم بالأمس لن يسقط بالتقادم ولا بالإسكات السياسي الرسمي لأنه يمهد السبيل للاعتذار باعتباره القيمة الأخلاقية والمعيارية لتجاوز أعباء الماضي المشترك والنظر إلى مصلحة المستقبل، أما مادون ذلك فمجرد علاقات بين شد وجذب وفق حسابات سياسية أو مرحلية ضيقة لا تخدم مستقبل البلدين ومصلحة الشعبين. وحدها الندية وعلاقات متوازنة تحت عيون التاريخ وواجب الذاكرة يمكن أن تنهي الحساسية التاريخية وتفتح الأفق لضفة متوسطية للتنمية والسلام بدل المنطق الاستعماري القديم. أما الجزائر فلها ان تبقي العيون يقظة لدى أجيالها جميعا حتى لا يعود الماضي ولو بشكل جديد في التبعية والتدخل والنفوذ، لأن مقياس التحرر خبرناه وندرك قيمة صونه وتمتينه أمام محاولات الهيمنة الاقتصادية والوصاية والضغوط. أما بعد: النسيان في التاريخ أكبر من مجرد آفة..إنه خيانة