سؤال يتكرّر مع انتهاء كل استحقاق انتخابي، ويتجدّد مع بداية كل أزمة تهز الوطن، الذي انتشله الشهداء من براثن الاحتلال: هل البيئة الجزائرية صالحة للعمل السياسي، أم أنها مُطعَّمة ضد كل أنواع السياسة، وطاردة لكل مَن يحمل مواصفات السياسي المحترف ؟ تختلف الإجابة باختلاف الأشخاص واختلاف المواقع، فالذين يجلسون في كراسي الحكم، أو المستفيدون من الوضع، يقولون إن الممارسة السياسية الديمقراطية، هي منهج مؤسسة الحكم القائم، ويتجلَّى ذلك في تعدُّد الأحزاب، وفي قيامها بشتَّى أنواع النشاط، حتى ولو تجاوز القانون، كما يبرز في الحرية المطلقة للصحافة، التي تخطّت السّقف الذي لا يمكن تجاوزه حتى في البلدان المتقدّمة، أما الذين يسترقون النظر إلى الحكم، من نادي الخارجين من السلطة، والحالمين بالعودة إليها، أو ممن يمنّون النفس في الوصول إليها يومًا، فيؤكِّدون أن طريقة النظام في الحكم، ليست إلا ديمقراطية مغشوشة، يُزيِّن بها واجهته السياسية، وأن انفراده بالرأي ثابت، تؤكّده حالة الاضطرابات الاجتماعية الخطيرة التي تهز كل القطاعات على مدار العام، لأن كل ما يدور في رأسه ينفِّذه، ولو كانت مضاره أكبر من منافعه، أو كانت مخاطره تُهدِّد الدولة والمجتمع بكامله . لا يختلف عاقلان في أن نظام الحكم في أيِّ بلد، يكتسب قوته من قوة المعارضة التي تصاحبه، فأين هذه الحقيقة من واقعنا السياسي، بعيدا عن كل هذا اللغط، الذي تقتات منه المؤسسات التجارية، التي تحمل عناوين إعلامية، وتُنشِّطه ما اصطُلِح عليه "الموالاة والمعارضة"؟ يبدو أنه في الوقت الراهن، الذي أفقد فيه النظامُ السياسي، صلاحيةَ كل البدائل المتاحة، فإن ما يسمَّى بالأحزاب، لم تعُد إلا مجرَّد أرقام تنتشر بالعشرات في سجلِّ وزارة الداخلية، تتحرّك فقط حينما يريد النظام، بناء معادلة يكون حدّد وحده كل أطرافها، وكأن رؤساءها ليسوا إلا متعهِّدي حفلات، ذلك أن الزعيم الحزبي أو المعارض، الذي أسقطه الصندوق، في كل المواعيد الانتخابية السابقة ولم يستقل، لا يُعَدّ معارضا، ولا يمكنه أن يقول عن نفسه، إنه بديل للحكم، إنما هو مُوظَّف لدى إدارة الحكم مهما كان الحاكم، ويعتقد البعض أن قوة نظام الحكم، هي ناتجة عن ضعف المعارضة، إلا أن هذه القوة، ليست في الحقيقة إلا ضعفًا ووهْمًا يُهدِّد الإصلاحات السياسية، التي تُعتبَر مسالك إجبارية للعبور إلى الديمقراطية، التي يحكم الناس فيها أنفسهم بأنفسهم، ويتحمّلون بها مسئولية ما يفعلون، لأنه لا يوجد في الدولة الحديثة، حُكْم قويّ دون معارضة أقوى. لا يمكن أن نقول إن لهذه الكائنات السياسية، برامجَ بديلة تعمل على تطوير البلاد ودفعِها أشواطًا كبيرة إلى الأمام، بعيدا عن حالة التأزم ذات الأوجه، التي يمكن أن تجعل منها بلدًا مستباحا، وراحت تصطاد الأزمات المتلاحقة لتستثمر فيها، وقد أوجدت لنفسها مؤخَّرًا- في استنفار القوات المسلحة، وبعد انتشار حزام النار على طول جُلِّ الحدود الجزائرية- البرنامج الأمثل، للصراخ والعويل والمزايدة في الوطنية، فراحت تشيد- بمناسبة وبدونها- بالجيش الوطني الشعبي، وكأن هذه المؤسسة الدستورية، التي مازلت الوحيدة التي يثق الشعب بها، ويعتز بوجوده فيها، تحتاج إلى مُطبِّلٍ أو مُزمِّرٍ أو مدّاح، تقتات منهم اليتيمات، الشرعي منها وذلك المولود بطريقة غير شرعية، بعد أن ضرب القحط شبكتها البرامجية، وهو يظن أنها الطريق السريع إلى الترقية، واحتلال مكان ذي مزايا لا يستحقها، يضمنها له التقرّب أو القرب من قصر المرادية. التجاذب الحاصل بين قطبيْ الموالاة والمعارضة، أصبح يجري بعيدا عمّن يهمّه أمر الحكم والمعارضة في إدارة شئونه، وهو الشعب الذي ثار كي لا تكون الجزائر مستعمَرة فرنسية، قبل أن يحاول بعض السفهاء إرجاعها إلى وضعها القديم، والذي يقول البعض إنه استقال بعد كل ما رأى، ويقول البعض الآخر، إنه فقدَ ثقته في الطرفيْن معا، بعد تهافُتِ الجميع على الجرْي إلى الأعلى، وقد أحرقوا سُلم الصعود كي لا يلحق بهم أحد، وإن كان ذلك صحيحا إلى حدٍّ ما، فإن الشعب يبدو أنه انتهج الطريق النفعي أو البرغماتي، إنه يريد أن يعيش يومه ويحيا ليله، ولم يعُد يهتم كثيرا بِغَدِه، الذي يَعِدُه به هؤلاء وأولئك، وهو يعتقد أنه لن يأتي على أيديهم، وإن جاء ففي الوقت الضائع من حياته، فهل سنظل ضحايا كذِب هواة السياسة، في أيِّ موقعٍ كانوا ؟ إن هذه الأحزاب، التي لم يستطع أكبرُها أن يجمع إلى دعوته، أكثر من أعضاء مكتبه التنفيذي أو لجنته المركزية، ولا يضيره أن يكتري من الشارع، بعض العابرين والعابرات لملء القاعة، عليها أن تعرف حجمها، وأن تعترف بفشلها- بغض النظر عن الأسباب- في تكوين معارضة راشدة، طالما ضحّت من أجلها الأمة وحلمت، وعليها أن تُصحِّح مسارها بإعادة التأسيس، عن طريق استقالة جماعية يُعلنونها في وقت واحد، وحلٍّ تلقائي لكل الأحزاب التي ترفع شعار المعارضة، كنوعٍ من الاحتجاج العملي، على ما يزعم أصحابها أنه غُبْن أكبر سلّطه الحكم عليهم ... [email protected]