أثارت قضية اعتناق المسيحية في الجزائر الكثير من الجدل وهي ظاهرة تندد بالخطر أمام الانتشار الواسع الذي عرفته لاسيما في منطقة القبائل والجنوب، وبدأت تبرز في باقي ولايات الوطن، وقد شجع ذلك تواجد الكنائس ، وكان الفضول الدافع القوي للتطرق إلى هذه الظاهرة بالدخول إلى الكنيسة، قصد الوقوف على كيفية ممارسة الشعائر المسيحية بالكنيسة البروتستانتية الموجودة بحي الكدية ولاية قسنطينة. انتقلنا صبيحة يوم الجمعة 30 ماي 2008 من نهاية الأسبوع إلى الكنيسة البروتستانتية وهو اليوم الذي يؤدي فيه المسيحيون شعائرهم الدينية، كونه يوم راحة، وهذا طبعا بعد أخذ إذن من القس عبد القادر صايم رئيس الكنيسة البروتستانتية لولاية قسنطينة الكائن مقرها بحي الكدية، ومواعيد الصلاة وهي بداية من الساعة العاشرة صباحا..، دخلنا قاعة الصلاة وجدناهم في قلة (06 رجال ومعهم امرأة متحجبة يرافقها طفل في سن الخامسة تقريبا)، تفاجئوا بوجودنا، لكن القس طمأنهم قائلا: "هذه صحافية وأنا من أعطاها الإذن بالدخول مضيفا: "ليس لنا ما نخفيه فأبوابنا مفتوحة للجميع".. يجمعون بين الصلاة وإنشاد الترانيم وجدناهم قد بدءوا في أداء صلاتهم وتلاوة بعض الترانيم وهم يرددون (إليك قلبي وحياتي.. إني أمشي وراءك..) وكان بين حين وآخر يلتحقون فرادى، واحدا تلو الآخر، وجاء رجل أسود البشرة ولحقه آخر ومن خلال لغتهم عرفنا أنهما من الرعايا الأجانب وهما من جنسية مالية وهندية، والباقي من جنسية جزائرية إلى أن أصبح عددهم 11 شخصا بما فيهم الطفل الصغير، مثلما صرح لنا القس عبد القادر صايم عندما التقينا به في اليوم الذي سبق الصلاة أي يوم الخميس أن عددهم يقدر بالعشرات، دون أن يكشف لنا الرقم الحقيقي الذي وصل إليه المسيحيون في ولاية قسنطينة ومضوا في مواصلة صلاتهم وترانيمهم ويرددون (أنت عظيم يا الله..) باللغات الثلاث: العربية الفرنسية والإنجليزية، كنا نتأملهم بشيء من الخوف والقلق، كنا نجلس في مؤخرة القاعة بعيدا عن الكراسي المخصصة للصلاة، لكن القس تفطن لي منتبها وقال لي: "اقتربي منا.. ممكن؟"، لكنني أصريت على البقاء في المؤخرة ، أحد الحاضرين بدا منزعجا من وجودنا أحمل وقام بوضع نظارة على عينيه حتى لا نتعرف عليه، ثم عاد إلى نزعها،وفهمنا أن القس أشار إليه بنزعها..، بقينا نتأمل القاعة المخصصة لهم للصلاة، حيث دعمت هذه الأخيرة بمنشورات حول الإنجيل باللغات الثلاث وكراسات خاصة للترانيم نذكر على سبيل المثال "أعطني رزقا"، "سلام حقيقة ومحبة" وهو كتيب صغير مكتوب باللغة الفرنسية وكتب على الجدار الأمامي للقاعة بجانب الصليب: قال يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة، وهي عبارات وردت عن يوحنا مثلما هو مكتوب باللغة العربية الفرنسية والأمازيغية، وقد سبق وأن سألنا القس عن الكتابة بالأمازيغية فعرفنا أنه من منطقة القبائل.. قدسية العبادة مغيبة ما لوحظ عنهم وهم يؤدون شعائرهم الدينية أنه لا موعد محدد لهم في أداء الصلاة بحيث كانوا يأتون فرادى، كما أن قدسية العبادة عندهم كانت مغيبة تماما ليس كما هو الحال عند المسلمين في وقت واحد وفي جماعة ، كانت المرأة تتوقف عن الصلاة وأداء الترانيم من أجل تفقد طفلها الذي كان يصول ويجول في الكنيسة، وأحيانا أخرى يردون على الهاتف النقال بالخروج إلى البهو أو الرواق ويتكلمون طويلا ثم يستأنفون الصلاة والترانيم... حتى طريقة الصلاة بدت بالغريبة، عند مباشرة صلاتهم ينحنون ويغطون وجوههم بأيديهم، وآخر يجلس مغمض العينين (على طريقة اليوغا) ويرددون: (يا رب أنزل السلام على الجزائريين باسم اليسوع)، وتارة تجدهم "يتمتمون" بكلمات لم نتمكن من سماعها أو فهمها، ما توصلنا إليه هو أن هذه التمتمات أثرت في أحد المتعبدين وهو من الرعايا الأجانب من جنسية مالية، وقد أجهش هذا الأخير بالبكاء بأعلى صوته وهو يردد كلمات بلغة لا تفهم ولم نفهم من "طلاسمه" سوى كلمة "أمين" فعرفنا أنه انتهى من التعبد.. حاولنا التقرب من المرأة عندما كانت تبحث عن ابنها، لمعرفة أسباب اعتناقها المسيحية، لكنها خيبت أملنا ورفضت الإجابة عن سؤالنا، واكتفت بالقول أنها من قسنطينة وأبوها قسنطيني رغم أن لهجتها تختلف عن اللهجة القسنطينية، قلنا لها لكن لهجتك ليست قسنطينية وأشارت أنها تربت خارج الولاية، لتضيف اعذروني لن أدلي لكم بأي شيء، لقد أصبحنا لا نثق في الصحافة من كثرة ما روجته عنا من أخطاء.. وأمام إلحاحنا عن دخولها في المسيحية أجابت بتحفظ لقد مرت علينا مراحل ومراحل جعلتنا نقتنع بهذا الدين دون تقديم أي تفاصيل، أما الرجل فقد بدا أنه من الطبقة المثقفة، حاول إيهامنا أنه أجنبي لكن سرعان ما اكتشفنا أنه جزائري، وقد وافق هذا الأخير بالحديث الينا لكن بعد انتهاء الصلاة، مشيرا إلى أنهم سيأخذون وقتا طويلا في ذلك.. ما شد انتباهنا هو أنهم ينتقلون من صلاة إلى أخرى، ففي صلاة مستقلة أخذ القس عبد القادر صايم رئيس الكنيسة وقد كان يجلس هو الآخر أمام طاولة صغيرة فوقها أواني، ثم أخذ الإناء وكشفه، إذ به قطعة "خبز" لم نتمكن من رؤية ما بداخله، وأخذوا يرددون في إحدى ترانيمهم قائلين: "لا نعش على الخبز فقط، بل نعيش على المحبة..الخ" وترانيم أخرى تقول: "الله لا معنا في طريق الحياة قائدا لنا" وأدركنا أنهم يؤدون الصلاة الخبز"، هكذا سميناها .. كل لباس مستور هو "حجاب" هكذا عبر لنا القس عبد القادر صايم رئيس الكنيسة البروتستانتية وهو من أصل جزائري وجنسية جزائرية في رده على سؤالنا" نحن مسلمات ونضع الخمار على رؤوسنا هل يسمح لنا بالدخول"، وكنا قد سألناه كذلك على عدد الجزائريين الذين اعتنقوا المسيحية في ولاية قسنطينة، وكان رده أن هناك من المسيحيات من تضع الخمار على رأسها أو كما سماه هو ب: الفولار، ليضيف موضحا أن كل لباس مستور يرونه في ديانتهم "حجابا" وأن هذا الأخير موجود منذ القدم باعتباره لباس "ستر وعفة" وراح يحدثنا عن الزى التي كانت ترتديه المرأة الجزائرية بدءا من الجبة القبائلية التي ترتديها المرأة في منطقة القبائل، ثم ما يسمى ب: "الحايك" الذي كانت تضعه المرأة العاصمية على الخصوص ثم "الملاءة" عند نساء الشرق والبدوي عند أهل الجنوب وهي ألبسة لا تكشف جسد المرأة وتحجبها عن الرجال الأجانب، وقال القس صايم أن الحجاب لا يثير إشكالا عند المسيحيين، بدليل أن فئة خاصة من النساء المسيحيات خاصة اللواتي يسمين بالبتول يرتدين لباسا خاصا ، معتبرا إياه أمر عادي لأن الإيمان بالقلب والعقل قبل كل شيء. الإسلام من أحسن الديانات السماوية الوضع غريب جدا ، أمام هذا الموقف المهيب لا يمكن لأي عاقل، متدبر ومتبصرا لا أن يدرك أن الإسلام هو من أحسن الديانات السماوية وأن الله سبحانه وتعالى عندما أنزل كتابه القرآن وأرسل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لينزل السكينة والطمأنينة على قلوب عباده المسلمين، كانت الكلمات التي سمعناها عبارة عن طلاسم و عبارات الكثير منها لا يفهم معناها وهم يرددون: أيها الرب نجنا من الشرير، أمام اختلافهم في وجهة صلاتهم، عن اليهود الذين جعلوا من القدس وجهتهم في أداء صلاتهم، كما يختلفون عن المسلمين الذين جعلوا من مكة قبلة لهم، وأكد لنا محدثنا نحن كمسيحيين، نصلي في أي مكان وفي كل مكان لكي يمنحنا الله المحبة والحكمة. تركناهم يتعبدون بعدما شارفت الساعة على منتصف النهار وغادرنا المكان