القراءة الموضوعية للخبر الكاذب الذي نشرته وكالة أنباء عالمية وتناقلته بعض الفضائيات على غرار "الجزيرة" تصل حتما إلى الحكم بوجود إرادة واضحة في التضليل وتشويه الواقع الأمني في الجزائر، فاستعمال هذا السلاح الفتاك المسمى بالإعلام أضحى أداة ووسيلة يهدف أصحابها من ورائها إلى الإبقاء على نفس الصورة النمطية للجزائر كبلد غير أمن يعيث فيه الإرهاب فسادا، ناهيل على أن مثل هذه الإشاعات تخدم في الواقع الدعاية الإرهابية مجانا وترفع من معنويات ألوية الموت التي تسعى إلى السيطرة على العقول بعدما عجزت عن التحرك في الميدان. عبد العزيز بلخادم وصف المعلومات الكاذبة حول عملية تفجيرية مزعومة بالمحطة البرية بالبويرة ب "الحملة المغرضة التي تستهدف الجزائر، بإطلاق شائعات عن تفجير قنابل في أماكن معينة"، وبحسب أمين عام الأفلان ورئيس الحكومة فإن أصحاب هذه ا|لأخبار المكذوبة إنما يسعون إلى نشر البلبلة وسط المواطنين وضرب استقرار البلد، وبمعنى أخر فان اختلاق خبر مجزرة من العدم ونشره على نطاق عالمي لا يمكن أن يكون عملا بريئا أو مجرد خطئا إعلاميا مهما اجتهدنا في البحث عن أعذار للجهات التي بادرت بنشر الخبر. وكالة الأنباء البريطانية رويتر سارعت إلى نشر "خبر" مفاده أن تفجيرا إرهابيا وقع بالمحطة البرية بالبويرة وأوقع أكثر من عشرين قتيلا، وسارعت عدة قنوات تلفزيونية على غرار "الجزيرة" إلى إعادة نشر الخبر وشرعت في التحليل وتقصي سبب ما أسمنته بالتصعيد الأمني في الجزائر كما عادت إلى التفجيرات الإرهابية التي حصدت عددا من الأبرياء في الجزائر في المدة الأخيرة، ويبدو أن "زلة" رويتر قد جاءت في سياق مخطط غامض لبش الشائعات بحيث سبق لوكالة الأنباء الفرنسية أن أعطت أرقاما منفوخة ومغلوطة عن العملية الإرهابية التي حصلت ببني عمران شرقي بومرداس وتحدثت عن سقوط 13 ضحية، وهكذا ضاعفت الرقم عدة مرات من دون التأكد من صحته، علما أن الجهات الرسمية كانت قد تحدثت عن سقوط ضحيتين هما المهندس الفرنسي المسؤول على مشروع شركة "رازال" وسائقه الجزائري. وبداية يطرح سؤالا محوريا حول خلفيات المعلومات المغلوطة التي بثتها وكالة الأنباء المذكورة، وهل من المنطقي أن وكالات أنباء بحجم رويتر ووكالة الأنباء الفرنسية يمكن أن تقع في أخطاء بهذا الحجم وتنشر أخبارا لا أساس لها من الصحة ومن دون العودة إلى المصادر الرسمية، أو على الأقل إلى جهات لها دراية بهكذا قضايا ولها إطلاع بالواقع الأمني ولها مصداقية تمكنها من أن تتعاطى مع معلومات بهذا المستوى من الخطورة؟ وبطبيعة الحال فإن الجواب يكون بالنفي وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بوجود إرادة ربما لبث معلومات غير صحيحة، ويبقى الإشكال مطروحا حول الجهة التي يهمها تشويه صورة الجزائر وتقديم معلومات تفيد الجماعات الإرهابية وتخدم استراتيجيتهم الدعائية وترفع من معنويات عناصرهم وتسيء إلى معنويات المواطنين الجزائريين وقوات الأمن وتقدم صورة سوداوية عن الوضع الأمني في البلاد تناقض تماما ما هو حاصل في الميدان؟ التضليل الإعلامي لما يتعلق الأمر بالوضع الأمني في الجزائر ليس وليد اليوم بل عهدناه منذ اندلاع مسلسل الإرهاب في الجزائر في بداية التسعينيات، فقناة ك"الجزيرة" مثلا ورغم السمعة الكبيرة التي تتمتع بها تتهاوى قيم الموضوعية وأبجديات العمل الإعلامي التي تدعيها لما تتعاطى مع الوضع في الجزائر، والكل يتذكر تلك النقاشات الحامية التي كانت تدار على بلاطوهات هذه القناة القطرية في عز الأزمة الأمنية، وكيف كانت تعطى الكلمة لمشايخ الإرهاب وأدعياء الجهاد الذين كانوا يوفرون التغطية الدينية والسياسية لجرائم "الجيا"، ولا أحد بامكانه أن ينسى الكارثة التي وقعت فيها هذه المؤسسة الإعلامية الكبيرة في ديسمبر الفارط لما نشرت استطلاع للرأي على موقعها على الانترنيت تسأل فيه الناس هل انتم مع أو ضد التفجيرات الانتحارية التي استهدفت في 11 ديسمبر المنصرم مقر المجلس الدستوري ومبنى المفوضية السامية للاجئين بالعاصمة، ولو فرضنا أن هناك ولو احتمال واحد بان "الجزيرة" ارتكبت خطئا وصفه مسؤولوها ب "الفادح"، هل يمكن أن نتصور أن هذه القناة يمكن أن تقع في نفس الخطأ عند تغطية معلومات أمنية في السعودية أو مصر أو قطر مثلا؟ فما تقوم به بعض المؤسسات الإعلامية الخارجية يندرج ضمن نفس الفلسفة التي تعتمدها بعض القوى الأجنبية في التعامل مع الوضع الأمني في الجزائر، وحتى إذا سلمنا بأن هناك عمليات إرهابية تنفذ هنا وهناك وتوقع قتلى من قوات الأمن أو من المواطنين، فعلى كل متتبع موضوعي أن يقر أيضا بأن الوضع ليس بالسوء الذي يصوره به البعض، فالجزائر ليست ميدان لحرب مفتوحة وإنما بلد يعيش كغيره في المعمورة ظاهرة عالمية تسمى الإرهاب، ظاهرة تعترف القوى الكبرى قبل الصغرى بأنها ليست سهلة ولا يمكن معالجتها في لمح البصر. والمؤكد أن أي تشويه للحقائق وأي عمل يكون هدفه التهويل والدعاية للإرهاب لا يختلف عن المواقف السياسية التي تندرج ضمن نفس التصنيف، لقد شهدنا من قبل كيف تعامل السفارة الأمريكيةبالجزائر لما سارعت بعد تفجيرات قصر الحكومة وثكنة الشرطة بباب الزوار بالعاصمة إلى نشر معلومات كاذبة حول احتمال حصول هجمات إرهابية ضد البريد المركزي ومبنى التلفزيون، والذي استمع إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير بعد الاعتداء بني عمران لما وصف الوضع بالجزائر بالخطير يدرك جيدا ما تريده بالجزائر قوى كبرى تسعى إلى إقناع من يأبى الاقتناع بأن الجزائر لا تختلف عن العراق وأفغانستان أو الصومال، معتمدة على منطق الجنرال الألماني غوبلز "أكذب ثم اكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس.."