هاأنذا أعود إلى ما قلته لبعض الأحبة مرارا وتكرارا: لكم يصعب علي أن أقرأ مقطوعة شعرية أو نثرية باللغة الأمازيغية بعد أن تم تدوينها بالحرف اللاتيني! وبالفعل، فقد قرأت هذه الأيام كتابا للروائي الراحل مولود معمري يحمل العنوان التالي: قصائد بربرية قديمة، لكنني وجدت صعوبة، وأيما صعوبة، في فك الأبجدية اللاتينية التي دونت بها هذه القصائد. المضامين بسيطة جدا، لكن الحروف اللاتينية جعلتني أقف أمام معضلة من المعضلات، وأعني بها أن الأمازيغية لا يمكن أن تكتب في رأيي إلا بالحرف العربي الذي كان قرينها دائما وأبدا منذ أن خرج اللاتينيون من أرض شمال إفريقيا قبل أربعة عشر قرنا من الزمان. لست أدري لماذا عمد مولود معمري إلى تدوين تلك القصائد بالحرف اللاتيني، وأحسب أنه كان قادرا على استخدام الحروف العربية علما بأن الكلمات العربية لا تخلو من أي قصيدة من تلك القصائد بحكم التعايش الطويل، ثم إنه ولا شك كان يعرف الأبجدية العربية كغيره من الذين درسوا أول ما درسوا في مساجد قراهم خلال العهد الاستعماري. وبهذه المناسبة، أقول إن المكتبة الجزائرية لا تتوافر على قاموس يشرح الكلمات البربرية في زمن ننادي فيه بتدريس هذه اللغة. وأتمنى في الوقت نفسه ألا يعمد الباحثون عندنا وأهل اللغة إلى وضع قاموس في هذا الشأن بالاعتماد على الحرف اللاتيني. المشكلة حضارية في المقام الأول، ولا يوجد لها شبه في أوربا، ولا في فرنسا التي ما زالت تسيطر على شؤوننا الفكرية في الأدب وفي الدراسة الجامعية. الفرنسيون، على سبيل المثال، يستخدمون الحرف اللاتيني عندما يدونون لهجتي (أوك) و(أويل)، اللتين ما زال البعض ينطق بهما في الشمال وفي الجنوب. وكذلك الأمر بالنسبة للإيطاليين حين يريدون تدوين لهجاتهم في لومبارديا وتوسكانيا، وفي جزيرة صقلية وسردانيا. فلم، يا ترى، يصر بعض الباحثين في التراث الأمازيغي بصورة عامة على تدوينه بالحرف اللاتيني؟ لن آتي بجديد حين أقول إن الأمازيغية والعربية عاشتا معا في الجزائر وفي شمال إفريقيا، ولم يحدث أي صراع فيما بينهما بالرغم مما يزعمه أصحاب المماحكات التي لا طائل من ورائها. وأعجب ما في الأمر هو أن ضابط الاستخبارات الفرنسية خلال العهد الإستعماري (هانوتو) كان أول من عمد إلى تدوين القصائد الأمازيغية القديمة بالحرف العربي إلى جانب الحرف اللاتيني والترجمة باللغة الفرنسية في عام 1867. فكيف نقلب الحقيقة التاريخية، ونتجنى على اللسانيات والصوتيات وفقه اللغة، ونمضي بعيدا في تدجين الشعر الأمازيغي القديم؟ هذا السؤال أطرحه على نفسي أولا وأخيرا، وأتمنى أن يبرز جيل من الباحثين الشباب في التراث الأمازيغي لكي يعيد الأمور إلى نصابها.