بقلم يوسف شنيتي/ سارعت صحف كثيرة إلى نشر الشهادة المثيرة التي أدلى بها دحو ولد قابلية رئيس جمعية قدماء مجاهدي وزارة التسليح والاتصالات العامة "المالغ" في ندوة المجاهد حول دور الحسن الثاني الذي كان يبتزّ الثورة ويطلب الأموال مقابل دخول الأسلحة إلى جيش التحرير في الجزائر. الشهادة هذه تنسجم تماما مع ما أثاره الصحفي اللامع حسنين هيكل في قناة "الجزيرة" قبل أن يتراجع، بخصوص اختطاف طائرة الزعماء الخمسة. شهادة ولد قابلية المحسوبة سياسيا وأمنيا، لا تبدو معزولة عن سياقها، وإلاّ لماذا انتظر هذا الرجل الذي أدى دورا مخابراتيا كبيرا أثناء الثورة رفقة بوصوف طيلة هذه الوقت؟ الذي أعرفه ويعرفه كل باحث مقرّب من ملفات تاريخ الثورة يدرك تماما أن الدعم العظيم جاء أكثر وبغير حساب من إدريس السنوسي في ليبيا وكذا من بلد النشامى في العراق، ولكن الذي لا ينكره إلاّ جاحد أو صاحب نوايا سيئة أن الثورة الجزائرية لقيت ترحيبا ودعما مطلقين من قبل الأمة العربية جمعاء، وأن أشكال الدعم فاقت حدّ التصوّر في كثير من الأحيان، وأن الجماهير العربية احتضنت الثورة في القلب والضمير، وأن الحكومات رغم ظروفها الداخلية والصعوبات والضغوط قدّمت ما عليها من واجب قومي وأكثر، وأثبتت أن هذه الأمة أمة واحدة، وكلّفها ذلك سياسيا واقتصاديا وأمنيا. أجل..لا يمكن لشهادة ولد قابلية أن تزعزع فينا يقينا ظلّ باستمرار يملأ صدورنا من أن نجاح الثورة الجزائرية لم يأت من فراغ، وأن التضحيات الجسيمة توسّلت أيضا بدعم عربي كبير من الناحية الدبلوماسية والسياسية بالمؤتمرات وحركات التضامن والمهرجانات، ومن الناحية المادية والسلاح من خلال المساعدات وجمع التبرعات وإدخال السلاح عبر الحدود، ومن الناحية الثقافية والعلمية من خلال استقبال الوفود الطلابية والعمل الإعلامي والدعائي. وجدت الثورة الجزائرية هذا وأكثر، بالرغم من بعض العراقيل والمضايقات التي فرضتها حسابات سياسوية ضيقة آنذاك ناهيك عن بعض التجاوزات من قبل المناضلين الجزائريين في تلك المدائن والعواصم..! ربما فاجأ دحو ولد قابلية بعض المتتبعين لتاريخ الثورة، ولكن المفاجأة ستكون أكبر لجيل الاستقلال الذي قرأ كثيرا عن حركة التضامن العربي خاصة إذا لم تضع مثل هذه الشهادات عن الحسن الثاني وبورقيبة وعلاقتهما بالثورة، وكذا التضخيم المقصود للدور المصري في الثورة أيضا.. أسوأ الأمور تحديدا هي أن تنزع الأقوال والآراء والشهادة عن سياقها وتزحزح عن المقصود فتصير كلمات حق أُريد بها باطل بتعبير علي بن أبي طالب..! أرجوكم..لا تُخرجوا الأمور عن نصابها..ولا تشوّهوا حركة التضامن العربي التي صاحبت الثورة الجزائرية بمثل هذه الشهادات التي لا تفيد الحقيقة التاريخية في شيء..!