أمريكا تقول إنها ستتعامل مع الفائز بالانتخابات السودانية التي تقول إنها لم تكن مطابقة للمعايير، وقبل أن يفصح الناطق باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي عن هذا الموقف كان جيمي كارتر الذي قاد بعثة مراقبين من مركز كارتر قد قال "الانتخابات كانت دون المعايير الدولية لكن الأرجح أن المجتمع الدولي سيعترف بها"، والموقف ذاته عبرت عنه بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي التي قالت رئيستها إن المعايير لم تحترم وأن مخالفات تم تسجيلها لكنها لم تجرؤ على القول بأن الانتخابات مزورة. الدرس الأهم الذي تقدمه لنا هذه الانتخابات هو أن المراقبين الدوليين الذين يأتون إلى بلدان العالم الثالث لإبداء ملاحظاتهم على عمليات الاقتراع تقودهم مواقفهم السياسية، وهي في الغالب يمثلون رأي الجهة التي ينتمون إليها، وليس صدفة أن يكون موقف كارتر منسجما مع الموقف الأمريكي، وليس عبثا أن تكون بعثة الاتحاد الأوروبي عاكسة للموقف الأوروبي ومنسجمة أيضا مع الموقف الأمريكي، والبحث عن المناطق الرمادية بين النزاهة والتزوير هو مساحة سياسية يريد من خلالها أصحاب المصالح الاقتصادية والخطط الإستراتيجية أن يستعلموا الورقة المناسبة في اللحظة المناسبة. بعض المعارضة في السودان كان غاضبا من المراقبين الدوليين، ولام آكول الذي اتهم الحركة الشعبية لتحرير السودان بتزوير الانتخابات في الجنوب قال بأن المراقبين فضلوا البقاء في المدن ولم يذهبوا إلى مراكز التصويت في المناطق النائية حيث التجاوزات والتزوير، وبدل أن ترد ممثلة الاتحاد الأوروبي على هذا الكلام استرسلت في الحديث عن الطرقات الغائبة، وعن الوضع الصعب في الجنوب، ولخصت الأمر بالقول إن الانتخابات كانت خطوة إلى الأمام، بل إن بعض المعارضين في السودان قالوا بأن كارتر يعمل لحساب المؤتمر الوطني، وأن المبعوث الأمريكي إلى السودان سكوت غريشن موظف يأتمر بأوامر الرئيس عمر البشير، ولعل الذين توصلوا إلى هذه الاستنتاجات الغريبة وجدوا صعوبة في هضم تبدل المواقف الأمريكيةوالغربية عموما. حديث أمريكا وأوروبا عن النزاهة غير جدير بالاهتمام، فحتى حامد كرزاي يقول بأن انتخابات أفغانستان زورها الغرب، لكن الذي يثير الاهتمام حقا هو المصالح التي تحرك المواقف الغربية من السودان، أما المراقبون الدوليون فهم سفراء مفوضون فوق العادة يدافعون عن تلك المصالح وهم مستعدون لفعل أي شيء، بما في ذلك تزوير تقاريرهم، من أجل حماية تلك المصالح.