ردود الفعل التي أثارها إعلان فرحات مهني عن تشكيل حكومة انتقالية لمنطقة القبائل تبدو دون مستوى الحدث، فهناك محاولات لاعتبار ما جرى غير جدير بالاهتمام أو التعليق، وهذه الطريقة في التعامل لا تبشر بالخير. كل الحركات الانفصالية بدأت بأفكار مجنونة، وكل المشاريع بدت في بدايتها وكأنها تسير نحو طريق مسدود، فالاستنتاجات التي لا تراعي التغير وعامل الزمن لن تصلح وسيلة للتنبؤ بالمستقبل القريب أو البعيد، ولنا في تاريخ البلد البعيد والقريب أمثلة كثيرة، أحد هذه الأمثلة هو ما جرى في بداية تسعينيات القرن الماضي، فقد كان الإعلان عن تأسيس حركات مسلحة يؤخذ باستخفاف كبيرة وكانت النتيجة كما يعلمها الجميع خراب عم البلاد، وعندما اجتمع بعض الجزائريين في روما ووقعوا العقد الوطني قالت السلطات إنه لا حدث لكن بعد سنوات من التيه عدنا إلى خيار الحوار والمصالحة، وفي قضية الهوية قلنا لسنوات طويلة إن المطلب الأمازيغي مجرد غطاء لمشروع سياسي أكبر وعدنا وعدلنا الدستور وجعلنا الأمازيغية لغة وطنية. اليوم نصف إعلان مهني عن حكومته بأنه لا حدث، ونعتبر أن منطقة القبائل هي التي ستدافع عن وحدة البلد، وأن كل ما يمكن أن يحدث لن يفرق بين الجزائريين، لكن هذا الكلام صحيح في لحظة التصريح به وهو لا يملك صلاحية غير محدودة في الزمان والمكان، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والاصطفاف الجهوي الذي يأخذ في بعض الأحيان شكلا عرقيا أو مذهبيا عندما يتحالف مع الفقر والإحساس بالظلم يمكن أن يكون وقود حرب الانفصال التي يريد البعض أن يشعلها. الجزائر ليست الآن بحاجة إلى خطاب سطحي يقوم على طمأنة الناس بأن الوحدة الوطنية غير قابلة للكسر أو الخدش، بل هي بحاجة إلى عمل جاد للقضاء على أسباب انتشار الفكرة الانفصالية التي مهما قل أنصارها فإنها موجودة في منطقة القبائل وفي مناطق أخرى، علينا أن نسد هذه المنافذ لأن من يتربصون بنا في الخارج لديهم وسائل استغلال مثل هذه الأوضاع لجعل الانفصال العلاج الوحيد عندما تتعفن الجراح.