»غريب« أمر بعض الأنظمة السياسية العربية التي لا تزال تعيش على نشوة الصورة المفبركة للتزكيات الشعبية التي لا تدنو عن عتبة 98 بالمائة و»المناشدات« الملحة بتمديد عهدة »الرئيس-الملك« مدى الحياة،... ليسقط هذا الديكور فجأة إلى ساحة النقيض ويطالب ذات الشارع المحتقن في حالة انفجار برحيل النظام الحاكم وإلغاء كلمة »عهدة جديدة« من قاموسها السياسي إلى الأبد. ما الذي أصاب نظام الرئيس زين العابدين بن علي وهو يصدق هذه »الأكذوبة« المصنوعة ذاتيا طيلة 24 سنة من الحكم المنفرد، وهو الذي يقول في خطابه الأخير أنه »ضحية« حاشيته ومقربيه الذين غرروا به طيلة جيل كامل..فمن نصدق إذن بن علي تونس الخضراء الهادئة ،قبلة السواح و»نموذج الغرب« في المنطقة تحت مظلة ومروحة »التأييد الشعبي المطلق«...أم بن علي 13 جانفي 2011 الذي بدا وكأنه فطن من كابوس »الأكذوبة الذاتية« إلى واقع.. لا » ماكياج « فيه... واقع انفجرت فيه مكنونات كل التونسيين بكل أطيافهم الاجتماعية والسياسية - فلم نسمع شعارات حزبية محددة- في وجه صور حكم جماعات المصالح العائلية التي كانت المستفيدة الوحيدة من »حديقة« تونس الخضراء المسقية اليوم دما، لا لشيئ إلا لأن الرئيس ظل »مغررا به « - كما يقول كثير من الحكام في الأنظمة الشمولية الأحادية- طيلة 24 عاما من-أي جيل كامل- وهو يسمع» أسطوانة 98 بالمائة « التي لا يرضاها الغرب لنفسه و يضحك علينا بتصديقها عندما يتعلق الأمر بأنظمة »نموذجية« في خدمة مصالحه ولو على حساب شعوب المنطقة. نظام الرئيس بن علي الذي راهن على سياسة عرجاء تجمع بين »التنمية السياحية« والتضييق السياسي تحت مروحية الدعم الغربي، غرق في متاهات »نظام العائلة« وجماعات المصالح المتطفلة التي تدور في فلكه، معتقدا أن سكينة »سياسة الفنادق والمسابح« التي تستقطب سواح الجيران والغرب وتعود بالربح على لوبيات استثمارية لا انفتاح في قائمتها، ستكون كافية لدفن تونس العميقة المنسية والجريحة في »أدغال« الداخل ومنفيات الخارج...ما الذي يدفع بالنظام الحاكم في تونس فجأة اليوم – بعد نصيحة الغرب أمريكيا وأوروبيا- إلى الطلاق مع لعبة »أكذوبة 98 بالمائة« والوعد بعدم الترشح لعهدة..»سادسة« مع إمكانية تشكيل حكومة وطنية منفتحة على مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية لتونس العميقة، وهو الذي كان بالأمس القريب جدا يسبح في »سحابة« الاستقرار والتنمية النموذجية. ما يؤلمك في هذه »الاستفاقة« الرئاسية ذات البصمات الشمولية،من رؤية مسرحية مصنوعة ومصدقة ذاتيا، إلى واقع حقيقة الاحتقان، هو أن تكون بثمن الدماء والخراب الذي طال »تونس الخضراء« ...فلماذا كل هذا الانتظار إلى حين وقوع الانفجار ...ألم تكن المؤشرات الاجتماعية والسياسية كافية ومرئية لتنذر بهذا المآل الدرامي،فتكون المعالجة استباقية بناءة وهادئة تعود فيها »حدائق« تونس الخضراء لكل التونسيين بدون استثناء لونهم السياسي و الاجتماعي...عاشت تونس الخضراء الأصيلة ذخرا لكل أبنائها في ظل العدل والأمن والرفاهية والاستقرار.