قليلة جدا هي اللحظات التي نشعر فيها فعلا بأنها تاريخية في هذا العالم العربي الذي كنا نقول عنه انه استطاب الاستبداد وقبل بالهوان. لحظة سقوط الرئيس المصري حسني مبارك، كانت من هذه اللحظات النادرة التي هزت العالم العربي من محيطه إلى خليجه. لم يثرنا هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي مثلما أثارنا تنحي "الريس" المصري؛ فالأول كان على مقاس وطني فقط. هو اكتفى بممارسة تسلطه على شعبه الطيب المسالم ولم يحاول أن يلعب أي دور على مستوى العالم العربي ولا فكر في أن يمد سلطته خارج حدود بلده. بن علي، كان من ذلك النوع من الدكتاتوريين المحليين، ولما ثار عليه الشعب التونسي وجعله يفر من قصره باحثا عن موقع قدم ينزل فيه، شعرنا بنشوة كبيرة لأن شعبا شقيقا نكن له كل الحب والتقدير تمكن من التحرر وأطاح بالجلاد. هكذا كان شعور معظم الجزائريين لما سقط بن علي؛ أما سقوط حسني مبارك فقد غمر نفوسنا بالفرحة. كانت فرحة مزدوجة. فرحنا لأشقائنا المصريين الذين أذاقهم كل أنواع المهانة وحولهم إلى كم هائل من الناس الذين لا يحسون ولا يشعرون وكل من يتجرأ على قول كلمة حق واحدة يدفع ثمنها غاليا من دمه ومن دماء أفراد عائلته. لا شك أن الكثير من الأعمال الأدبية والفنية ستظهر في مصر خلال الأشهر والسنوات المقبلة لتتحدث عن أنواع القهر الذي كان رجال مبارك يسلطونه على المواطنين المصريين، ولا شك أن الذين عرفوا سجون مصر ستنطلق ألسنتهم لتصف ما لا يصدق من أنواع العذاب في مقرات الشرطة وخنادق المخابرات وسجون أبو زعبل وغيره. عندما تسجل شهادات المظلومين والمقهورين من ضحايا النظام المصري، سيصدم العالم من طبيعة هؤلاء الناس الذين لم يتركوا وسيلة للقمع إلا واستعملوها، ولم يتركوا حيلة لإهانة الشعب إلا ولجئوا إليها. في هذا المجال تقول نكتة مصرية أن حسني مبارك طلب ذات مرة من إبليس أن ينصحه في شيء ما يقوم به لإحداث اكبر ضرر بالشعب المصري، ولما وشوش له إبليس في أذنه بما عليه أن يقوم به أنفجر حسني مبارك ضاحكا قبل أن يقول له بان ما ينصحه به سبق أن قام به قبل عشرين سنة ثم طلب من إبليس أن يقترب منه ليوشوش له في أذنه بشيء ما فإذا بإبليس يفر هاربا وهو يقول لحسني مبارك: أتق الله في المصريين يا مبارك. هذه النكتة هي خير معبر عن كل المظالم التي اقترفها هذا الحاكم في حق شعبه. فرحتنا كانت أيضا للأطفال الفلسطينيين وأبناء غزة بالذات، فقد روعهم لما دعم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وجوعهم من خلال إحكام الحصار على هذا الشعب العربي الذي يعاني من القهر الإسرائيلي منذ 1948، ليزيده ظلم ذوي القربى معاناة على معاناة. كل من يؤمن بالله وبجبروته يدرك بأنه جل قدره يمهل ولا يهمل وأن انتقامه لشديد. لعنة كل شهداء غزة ستلاحق مبارك وذريته الذين تاجروا بالقضية الفلسطينية وأمدوا إسرائيل بالغاز المصري ومنعوا المدد على الشعب الأعزل وزادوا في تفتيت الشعب الفلسطيني من خلال محاولة فرض حلول لا تخدم سوى إسرائيل وأمنها. فرحنا أيضا لأبناء العراق الذين ما كان لأمريكا أن تدمر بلدهم وتحتله لولا موقف النظام المصري وحلفاء حسني مبارك بالخليج والمساعدة الثمينة التي قدموها للقوات الأمريكية. شهداء العراق، وكذلك أطفال العراق من قتلى ومشوهين، هؤلاء كلهم يتحمل حسني مبارك ذنوبهم وسيطالبونه، في العلم الآخر، بحقهم. كما فرحنا لكل اللبنانيين الذين أصابهم الكثير من مؤامرات مبارك ضد المقاومة اللبنانية الشريفة التي فضحت نظامه من خلال الهزيمة التي ألحقتها بالجيش الإسرائيلي سنة 2006. لقد استعمل نظام حسني مبارك كل ثقل مصر التاريخي وكذلك وجود مقر ذلك الشيء المسمى بجامعة الدول العربية بالقاهرة ليضيق الخناق على كل القوى اللبنانية الرافضة لمسار السلم على طريقة كامب ديفيد. كانت فرحة أيضا لصالح سوريا الشقيقة التي عمل نظام حسني مبارك على الضغط عليها لسنوات طويلة كي تنضم إلى مسار كامب ديفيد المهين. سوريا التي رفضت باستمرار التفاوض على أي مشروع سلم بشروط مهينة كتلك التي فرضت على مصر في اتفاقيات كامب ديفيد واصلت مقاومة الحلول الإسرائيلية والحصار الأمريكي لها بمفردها وتحت ضغط مصري كبير. الفرحة تشمل أيضا الشعوب العربية المعروفة بالشعوب الراكدة والتي فرضت عليها بريطانيا، منذ بداية القرن الماضي، عائلات مرتبطة بهذه الدولة فحكمت مناطق شاسعة من العالم العربي وأقامت أنظمة ديكتاتورية متخلفة وتنعدم فيها كل الحريات الشخصية. لا شك أن سقوط مبارك الذي كان يضع إمكانيات مصر في خدمة ملوك وأمراء هذه الدول من شأنه أن يعجل بتحرير شعوبها. وأخيرا فرحنا لشهدائنا. شهداء الثورة الجزائرية العظيمة والذين قال عنهم زبانيته أنهم مجرد لقطاء. لقد هددنا علاء مبارك وجمال مبارك، على إثر مجرد مقابلة في كرة القدم، بالمصير الأسود فإذا بلعنة شهداء الجزائر تلاحقهما في ميراث مصر وفي مال مصر وسيلاحقون بلا شك من طرف عدالة شعب مصر. فرحنا وسعدنا فعلا لأننا ساهمنا بكتاباتنا وآرائنا التي عبرنا عنها، على إثر مقابلة أم درمان، في فضح نظام حسني مبارك. لقد شاركنا شباب مصر في إسقاط مشروع التوريث في مصر وسنواصل الكتابة لإسقاط كل مشاريع توريث الشعوب في كل المنطقة العربية. مبارك سقط وسيسقط معه كل نظامه الذي أراد أن يقطع علاقات أرض الكنانة بشقيقاتها الرافضات للتطبيع مع إسرائيل. يسقط نظام مبارك وستفتح أمامنا، من جديد، أبواب مصر لنعيد علاقات الشعب الجزائري بأشقائنا المصريين وسنوثق العلاقات بما يخدم مصير الأمة العربية التي نراها تسير بخطى واسعة نحو التحرر والتطور.