» حتى آخر نفس في حياتي يستحيل أن أقبل بفكرة العفو والمصالحة مع الجلاد الذي إغتال الأبرياء بغير حق ولم يحاكم في مرحلة حالكة ومعقدة من تاريخ الجزائر،وأتسائل كيف للمجرم أن يحدق في عيني الضحية بهذه البساطة دون عقاب« وأشارت القاضية والوزيرة السابقة ليلى عسلاوي في لقاء مع «صوت الأحرار» أول أمس بمكتبة العالم الثالث على هامش توقيعها لروايتها الجديدة »المحفظة الزرقاء« الصادرة مؤخرا ضمن منشورات داليمان باللغة الفرنسية أن روايتها ليست سيرة ذاتية أو بيوغرافيا تتناول تجربتها الشخصية مع الإرهاب بقدر ما هي شهادة حول الجزائر التي عاشتها و حفاظ على الذاكرة من النسيان حيث تمثل المحفظة فضاء سري لجمع أشلاء ذاكرتها وتفاصيلها فيما يمثل اللون الأزرق صورة الجزائر السابقة الصافية والنظيفة والمطلة على زرقة البحر الأبيض المتوسط . وأضافت ليلى عسلاوي أن عملها الإبداعي لا يحمل رسائل مبطنة ولا خطابات بل تطرح من خلاله تساؤلات مشروعة حول مستقبل الجزائر حيث تدور أحداث الرواية في حدود عام 2030 وتتصور كيف سيكون اللقاء بين أحفاد ضحايا الإرهاب الدموي وأحفاد الإرهابيين ، الذين لا ذنب لهم وكيف سيواجهون قدرهم الذي لم يصنعوه بأيديهم ولم يساهموا فيه كفاعلين ولم يشكلوا يوما طرفا في معادلته الدموية العنفية وكيف سيتحملون ثقل هذا التاريخ من الألم ربما سيضفي ذلك اللقاء على النسيان أوربما سينفجر من جديد وتساءلت ليلى عسلاوي »هل لما يكون الجرح متعفن نخيطه وهو لم ينذمل بعد أم نعالجه حتى يخرج منه القيح ثم نخيطه ؟ « وهنا تشير ليلى عسلاوي أن التاريخ والحقيقة التاريخية تفرض نفسها وتطفوا على السطح وبقوة كلما حاولنا خنق الحقيقة وينفجر التاريخ في كل لحظة كلما قتلناه وتشير إلى قضية تصفية عبان رمضان عام 1957 » المناضل عبان رمضان الذي كنا نعتقد لسنوات طويلة أنه إستشهد وهو يواجه الجيش الفرنسي لكن بعد عقود وبفضل الشهادات والكتب التاريخية عرفنا أنه تم تصفيته وراح ضحية لحسابات ضيقة لبعض قادة الثورة من إخوانه كما إستمعت مؤخرا إلى شهادة زوجة خميستي الذي إغتيل عام 1963 التي ترفض الرواية الرسمية لإغتيال زوجها وبالتالي ما الفائدة من دفن التاريخ وعدم كتابته ولابد من تحقيق العدالة .« أكدت ليلى عسلاوي أنه على العكس الرواية ليست هروبا أو خوفا من قول الحقيقة مادام أن الأسئلة التي يطرحها العمل يكتسي أهمية بالنسبة للجزائر الغد ومستقبل الأجيال التي عليها أن تصالح مع ذاكرتها وتاريخها ، واخترت الكتابة الروائية لأنها تمنحني مساحة واسعة من الخيال والقدرة على المزاوجة بين الحقيقة والخيال وكنت قادرة أن أكتب نصا عن لحقيقة لكن سيكون النص جافا وباردا لا يجلب القراء ولا يستقطبهم وأضافت هل نستطيع العفو على مجرم لم يقف أمام العدالة ليطلب لعفو من الضحايا ، هل سنحدق في عين الجاني ؟ الحقيبة الزرقاء هو نص روائي بلغة بسيطة غير معقدة يقدم شهادة نادرة ويجمع التجربة الذاتية وتقاطعاتها مع أقدار وطن سقط في هاوية ذات مرة و تزاوج بين الخيال والواقع في بنية روائية حالمة تدور أحداثه في سنة 2030 ، حيث تسترجع الكاتبة إفرازات المرحلة و ضحايا العشرية السوداء والحمراء التي تعد لحظة عنف قصوى وفوضوية عاشها الجزائريون تحت وابل من حالات الفزع والصمت لتؤكد في سياقها أن هذه المرحلة من تاريخ الجزائر الحديث مفصلية ومتجذرة فينا لا يمكن إغفالها أو تناسيها على حساب المصالحة التي لا تعني بالضرورة طي الصفحة حيث تعود بنا ليلى عسلاوي رغم مرور عشرتين على الأحداث المأساوية التي ميزت يوميات العشرية الحمراء . تدور أحداث الرواية من المحفظة الزرقاء التي تحمل الكثير من الأسرار المدونة في ملفاتها التواريخ والأمكنة لمرحلة سوداوية في تاريخ الجزائر تحتفظ بها الجدة ليكتشفها أحفادها بعد 38 سنة أي من 1992 إلى 2030 لينتقل الإنشغال من جيل إلى جيل وكأنه القدر وهذا الفلاشباك والإسترجاع الزمني النازع نحو المستقبل لم يكن عشوائيا أو إعتباطيا بقدر ما يعكس نزوع الكاتبة نفسها لتحرير شحنات من الذكريات المتراصة في عمقها لأنها ببساطة ترفض نسيان هذه العشرية السوداء وتشير أنها من خلال هذا الكتاب لا تقدم تشريحا أو تحليلا سياسيا للعشرية السوداء كما أنها تتجاوز منطق تحليل مصطلح »المصالحة« وما أفرزه من تحاليل وخطابات ومضاربات إعلامية وإنما تمنح حرية البوح للشخصيات في هذا النص السردي وهن: داهلية، سيرين، آمال، نايلة،وكمال. ترى المؤلفة أن العفو يعني الإعفاء من العقوبة وهذا ينتهي إلى »قلب الصفحة والامتناع عن الحديث عن ما وقع.« هي لا تقدم إجابات جاهزة لقارئها.وإنما هي تحاول أن تستنطق هؤلاء الذين سيبلغون العشرين من العمر بعد عشريتين من الدمار والدم بمعنى كيف سيتلقون هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الجزائر. هل سيكونون أكثر تساهلا على أساس أنها من الماضي"والماضي يحل كل الأزمات عندما يجعلها قديمة» أم أن الأمر سيكون أعمق من مجرد تلقي خبر الموت المجاني دون عقوبة الجاني وتتساءل المؤلفة بقلق « كيف سيكون موقف هذا الجيل الذي لم يعرف العشرية السوداء، هل سيتملص منه ويقول انه يخص هؤلاء الذين عاشوه ولا علاقة لنا به ؟«. صاحبة المحفظة الزرقاء لا تعرف الإجابة على التساؤلات ويبدو أن الأمر يقلقها ، لكنها مقابل ذلك تلبس صوت بطلتها »داهيلة« التي ترى أن العفو مستحيل رغم أنها ليست ضد هؤلاء الذين باركوا المصالحة لأن الذي يعيش وهو في قلب الأزمة ليس نفسه مع من هو على مسافة زمانية من الحدث ، ويبدوا أن المناضلة في حقوق المرأة ليلى عسلاوي يبقى هاجسها الأول كيف تكون جزائر الغد بمختلف حساسيتها وأطيافها .