ظل خطاب الرئيس بوتفليقة للأمة إلى بداية الأسبوع المنصرم، يشكل محور اهتمامات الطبقة السياسية بموالاتها ومعارضتها، فالإصلاحات السياسية والدستورية التي كشف عنها قد تحقق ما يسمى بالتغيير الهادئ والسلس، أي التغيير الذي يسمح بتجاوز النقائص الكثيرة الموجودة على مستوى سير المؤسسات وعلى مستوى الحريات بصفة عامة ويمكن أيضا من تكريس حقيقي للممارسة الديمقراطية. ورغم الموقف المتصلب بعض الشيء بالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية التي صرح سكرتيرها الأول كريم طابو قائلا بأن المشكل لا يكمن في الدستور وأن »الأفافاس« لن يشارك في أي لجنة قد تشكل لمراجعة الدستور الحالي، وأكد طابو بأن حزبه يظل متمسكا بالمجلس التأسيسي وهو مطلب لازمه منذ نشأته في سنة 63، إلا أن باقي التشكيلات الحزبية المشاركة في الحكومة، ضمن الائتلاف الرئاسي أو المتواجدة ضمن المعارضة تصف الإصلاحات المعلنة بالهامة، وإن طالبت بضرورة تحديد آجال هذه الإصلاحات حتى لا تظل غارقة في العموميات التي قد تعني لدى البعض التهرب من القيام بإصلاح حقيقي. وربما ما ميز الأسبوع المنصرم، فضلا عن مصادقة نواب المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية على قانون البلدية الذي أثار زوبعة من النقاش، بالنظر لأهميته في تسيير مصالح المواطنين، كما صرح وزير الداخلية دحو ولد قابلية، هو تراجع حدة الاحتجاجات مقارنة بالأيام الماضية، لكن إذا كان قطاع التربية قد ودع مرحليا الشارع بعدما استجابت الوصاية لأغلب مطالب أسرة التربية والتعليم، فإن عودة العديد من القطاعات إلى التصعيد الاحتجاجي يبقى واردا في ظل اتساع دائرة المطالب وازدياد حدة الغضب الذي يجتاح كل القطاعات، مستغلا بذلك ظرفا دوليا وإقليميا يساعد على التصعيد، ظرف تعي السلطات جيدا أهميته وحساسيته بالنسبة لأمن واستقرار البلد الذي قد يكون معقودا ربما بشرارة تندلع هنا أو هناك قد تلحق البلد بما هو جاري في العديد من الدول العربية، خاصة في ظل الحديث عن سيناريوهات خطيرة يجري الترتيب لتنفيذها في الجزائر، التي يقول الكثير من المتتبعين أنها معنية بما يسمى ب » الثورات العربية« التي لا تمس بطبيعة الحال مماليك وإمارات الانبطاح، وتضرب في الغالب دولا معينة لها مواقف متصلبة من التدخل الخارجي أو من المقاومة والتطبيع مع الكيان الصهيوني. ويبدو أن محاولات التصعيد الأمني خلال الأيام الأخيرة، خاصة بعد مضاعفة زمر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي لاعتداءاته ضد قوات الجيش والأمن في العديد من مناطق البلاد، خاصة بمنطقة الوسط، قد أعاد الملف الأمني إلى الصدارة في ظل المساعي التي تبذلها الجزائر على الصعيد الإقليمي من أجل التنسيق بين جميع الدول المعنية ومواجهة مشكل تهريب السلاح إلى منطقة الساحل الصحراوي على خلفية الحرب الأهلية التي تمزق الجار الشرقي، ليبيا. فمنذ المجزرة المروعة التي ارتكبت بإعكورن بتيزي وزو والتي خلفت مقتل 14 جنديا وما تلاها من اعتداءات أخرى متسلسلة بمنطقة القبائل، بدأت التساؤلات عن سر عودة تنظيم القاعدة إلى النشاط بعد تراجع دام مدة طويلة نسبيا، فهناك شكوك من إمكانية أن يكون تنظيم درودكال قد استفاد من السلاح الذي يجري تهريبه من ليبيا، علما أن الجيش الوطني الشعبي كان قد أعلن إفشال محاولات لتهريب السلاح من ليبيا نحو دول الجوار الجنوبي، والقضاء على عدد من الرؤوس الإرهابية التي كلفها الفرع المغاربي للقاعدة بتهريب السلاح من جماهيرية القذافي التي تعرف حالة من الفوضى وغياب أي مراقبة لأسلحة ربما وصل الكثير منها إلى معاقل تنظيم القاعدة في أكثر من بلد، مع الإشارة إلى أن الجيش الجزائري وضع مسألة تأمين الحدود من المخاطر التي تحوم بالبلاد جراء الأوضاع الخطرة التي تمر بها ليبيا، مما يعني وضع مسألة مكافحة الإرهاب في الدرجة الثانية بعدما تربعت على صدارة أولويات الجيش الجزائري مدة قاربت العشريتين. ولا تزال حملة الاتهامات ضد الجزائر بدعم نظام القذافي بالسلاح وبالمرتزقة متواصلة وبعد التزام أعضاء ما يسمى بالمجلس الانتقالي الليبي الصمت، نطقت العديد من وسائل الإعلام في العواصم التي تقود الحرب ضد ليبيا، أي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة متهمة الجزائر بتسهيل المهمة على القذافي لتجنيد عناصر من جبهة البوليساريو لقتال المعارضة المسلحة، وبطبيعة الحال فإن هدف مثل هذه الاتهامات هو ضرب الجزائر وتشويه صورتها لدى الرأي العام الدولي وتقديم نظامها على أنه مستبد يناصر من يتهم بقتل شعبه وارتكاب المجازر بحق من يسمون بالثوار في ليبيا، ومن جهة أخرى الإساءة لجبهة البوليساريو باعتبارها مقاومة شريفة ضد الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية، وهو ما يؤكد صحة المعلومات التي تتحدث عن وقوف جمعيات مغربية تنشط باسبانيا وراء هذه الحملة النجسة التي تستهدف الشعب الجزائري. ويبدو من جهة أخرى أن اللقاء الاستثنائي الذي احتضنته مالي والذي ضم قادة أركان أربعة دول من الساحل الصحراوي هي الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا، قد أعاد الحيوية إلى التنسيق الأمني بين دول الساحل الصحراوي، ثم إن تواجد قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح بمالي، وقيام وزير خارجية توماني توري بزيارة إلى الجزائر استقبل خلالها من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد تؤشر لنهاية الجفاء الدبلوماسي بين باماكو والجزائر على خلفية إطلاق نظام توري لأربعة عناصر إرهابية وصفت بالخطيرة ضمن صفقة تحرير الرهينة الفرنسية بيار كامات. لقد اعترف وزير خارجية مالي بخطورة الوضع بمنطقة الساحل بفعل فوضى السلاح والفلتان الأمني الذي تعيشه ليبيا، في وقت أكد فيه الفريق قايد صالح على أهمية التنسيق بين دول الساحل لمواجهة خطر الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وتندرج المساعدات المالية التي قدمتها الجزائر لمالي لتنمية المناطق الشمالية، أو تلك المساعدات العسكرية لجيوش دول الساحل ضمن المجهودات التي تبذلها الجزائر للوقوف في وجه تنامي الخطر الإرهابي بالمنطقة. ويبدو من جهة أخرى أن التفجير الإرهابي الذي استهدف مقهى »ماركنة« بوسط مراكش هو بمثابة إنذار خطير من عودة النشاط الإرهابي إلى سابق عهده في كامل المنطقة، فالظرف الدولي والإقليمي المساعد على التمرد، والذي حول اهتمامات الدول من مكافحة الإرهاب والجريمة إلى حماية الاستقرار والتصدي للشارع يخدم بشكل خاص تنظيم القاعدة الذي وجد في الماضي حاضنة إيديولوجية بالعواصمالغربية التي كانت تعتبر الحركات المتطرفة معارضة سياسية، ووجد اليوم حاضنة أخرى هي ما يسمى ب »الثورات العربية« التي تعطي للجماعات الإرهابية مشروعية اللجوء إلى العنف المسلح.