أظهرت الأيام الخمسة الأولى من المشاورات التي شرعت فيها هيئة بن صالح، بعض التباينات لدى الأحزاب وما يسمى ب »الشخصيات الوطنية« التي حلّت حتى الآن على مقر رئاسة الجمهورية في التعاطي مع مختلف الملفات التي أدرجها الرئيس بوتفليقة ضمن ورشات الإصلاح يأتي في مقدمتها مسألة تحديد الأولويات وطبيعة النظام السياسي الذي سيعتمده الدستور المقبل، فيما أثيرت كذلك شرعية المؤسسات ومدى جدية السلطة في الأخذ بكافة الاقتراحات. بعيدا عن الانتقادات التي أطلقتها جهات تُحسب على المعارضة وشخصيات أخرى كانت في وقت سابق جزءا من النظام حول جدوى المشاورات التي تجري حاليا باستقبال رؤساء أحزاب وجمعيات وتلقى اقتراحات مكتوبة، فإن أكثر الانشغالات التي تمّ طرحها حتى الآن بعد انقضاء خمسة أيام من النقاش تتركز بالأساس فيما إذا كانت هذه »الورشات المفتوحة« ستأخذ في الحُسبان التطلعات الشعبية وتحسين مستوى معيشة المواطنين الذي يعتبر في الواقع أهم بكثير من تغيير القوانين بحسب ما ذهب إليه عدد من ضيوف هيئة بن صالح. وكان مرشح الانتخابات الرئاسية الأخيرة، محمد السعيد، أول من أثار إلى هذه النقطة عندما توقع ألا ينجح الإصلاح إذا لم يأخذ في الحسبان أربعة مسائل أساسية حصرها في العدالة والحرية والأمن إضافة إلى ضمان لقمة العيش الشريفة، وهو الرأي الذي شاطره فيه رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، الذي أكد بدوره أنه أبلغ هيئة المشاورات بضرورة الاهتمام أكثر بقضايا المجتمع بتحسين معيشة المواطن حتى يشعر بأنه في دولة قانون تُحترم فيها العدالة والحريات. وإذا كان رئيس الحكومة الأسبق، سيد أحمد غزالي، الذي شارك في ثاني يوم من المشاورات لا يؤمن بأن تغيير القوانين من شأنه أن يجعل الجزائر قادرة على مواجهة التحديات بعد أن قدّر أن مشكلة بلادنا هو في عدم تطبيق التشريعات التي تسنها، فإن أبو جرة سلطاني رئيس حركة مجتمع السلك يُخالفه الرأي تماما فهو مقتنع بأنه لا بدّ من تعميق الإصلاحات، ورغم أن الأخير طرف في التحالف الرئاسي لكن هذا الغطاء لم يمنعه من توجيه الانتقادات للسلطة بخصوص قضية تحديد الأولويات. وفي وقت يقول فيه سلطاني إنه لا بدّ من تسبيق تعديل الدستور قبل بقية القوانين الأخرى، تذهب لويزة حنون أبعد في طرحها لأنها تعتقد أكثر من غيرها أن الإصلاح يمرّ حتما عبر حلّ البرلمان الحالي وتسبيق تعديل القوانين الجاري التشاور حولها بانتخاب برلمان جديد يمنح، على حدّ تعبيرها، مزيدا من المصداقية للورشات السياسية المفتوحة، ووفق مفهومها فإن حزب العمال يرفض استعمال مفهوم »التغيير« وأن الأصح برأيها هو »الإصلاح« الذي يعني الابتعاد عن أية سيناريوهات قد تُهدّد المصلحة العليا للبلاد. وفي هذا الموضوع بالذات، وبعيدا عما يجري داخل غرفة عمليات هيئة المشاورات، ترى الكثير من الشخصيات التي استدعيت للحوار أنه لا جدوى من الجلوس على طاولة وتقديم اقتراحات مكتوبة بحجة عدم وجود ضمانات من طرف السلطة بخصوص الإصلاح السياسي، ولذلك فإنها تُعارض أي »إصلاح« قبل »رحيل النظام«، وفي هذا الحراك محاولة للتشكيك في نوايا النظام وتمييع الجلسات وإفقادها معناها، لكن في المقابل هناك من فضّل تمرير هذا النوع من الرسائل عن طريق تبليغها مباشرة إلى هيئة بن صالح من دون الحاجة إلى وسائط أخرى رغم اختلاف الوزن السياسي لدعاة التغيير. ويُحيل هذا الأمر إلى مدى وجود إرادة سياسية فعلية من أجل الذهاب بهذه الإصلاحات إلى أبعد مداها، والتالي عدم تكرار سيناريو ندوة الوفاق الوطني التي عرفتها الجزائر في المرحلة الانتقالية، وهذا هو مكمن مخاوف البعض من حقيقة وجود نية فعلية لدى السلطة بهذا الخصوص، وقال محمد السعيد جملة فيها الكثير من الرمزية على هذا المستوى »إذا كان من الصعب عليّ قراءة نوايا السلطة فإنه ليس صعبا عليّ معرفة ما يُريده الشعب.. لأنني ابن هذا الشعب أعرف همومه«. وموازاة مع التزام رئيس الجمهورية في خطاب 15 أفريل الماضي بالأخذ بكافة الاقتراحات واعتماد نظام سياسي يقع عليه توافق غالبية التصوّرات، برز في الأيام الخمسة الأولى من جلسات الحوار ملف آخر مرتبط بتباين وتباعد كبير في التعاطي مع مسألة الحسم في النظام الأنسب للجزائر. وحتى الآن هناك ميل كبير نحو النظام البرلماني في انتظار مزيد من الاقتراحات خلال قادم اللقاءات، ولكن على ما يبدو بحسب ما يجري في الكواليس هناك أيضا نوع من التخوّف من تركيز السلطات في البرلمان تحت مبرّر أنه »يُشكّل خطرا على الجزائر«، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان الجزم بما سيخرج به النقاش من نتائج.