والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الله أكبر..الله أكبر.. الله أكبر »تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور« ها نحن في لحظة فارقة نودع فيها أخا مناضلا ومجاهدا كان بحق عَلَمًا في مسيرة وطنية مليئة بالتضحيات الجسيمة وبالمكاسب التاريخية المشهودة، ذلكم هو المجاهد سي عبد الحميد مهري الذي نودعه اليوم وفي نفس كل واحد منا حسرة على هذا الفراق المؤلم. لقد واكب الفقيد كل المراحل التي قطعتها البلاد منذ أربعينيات القرن الماضي فأثر وتأثر بأحداثها إذ كانت رحاب الحركة الوطنية هي بداية تألق هذه الشخصية الوطنية المستنيرة، ويشهد كل الرفاق الذين قاسموه المسيرة تميزه بنفاذ البصيرة وقدرته على تحليل الأحداث وتوقع صيرورتها، وبقدر ما كان للفقيد حضوره وتفاعله مع السياقات التي آلت إليها الحركة الوطنية، بقدر ما كان حرصه على الالتحاق مبكرا بثورة التحرير وكانت المهمة في هذا الإطار هي تحسيس جماهير المشرق العربي بأهداف الثورة وكسب تأييدها السياسي والمادي ووقوفها إلى جانب أشقائهم في الجزائر في معركتهم المصيرية من أجل استرجاع سيادتهم الوطنية وحقهم في تقرير مصيرهم. وكان لذلك النشاط النضالي الذي باشره سي عبد الحميد وغيره من المناضلين أثره الحاسم في دفع البلدان العربية والإسلامية شعوبا وحكاما للوقوف إلى جانب الثورة الجزائرية. ومع تطور مسار الأحداث على المستوى الوطني من خلال اشتداد المواجهة بين كتائب جيش التحرير وقوات الاحتلال الفرنسي وتصاعد الممارسات الوحشية في حق الشعب الجزائري الذي صمم على احتضان ثورته وتقبل التضحيات رغم جسامها، يومها أدركت الكثير من دول المعمورة عدالة ما تنشده الثورة ومشروعية مطالب الشعب الجزائري، فتوالت الاعترافات بهذه الثورة معبرة عن إرادة الشعب الجزائري وواكب ذلك إنشاء الحكومة المؤقتة سنة 1958 حيث كلف الفقيد بوزارة شؤون شمال إفريقيا فيما بين 58 / 59، ثم وزيرا للشؤون الاجتماعية والثقافية في الحكومة الثانية 59 / 61 وإثر استرجاع السيادة الوطنية تقلد الفقيد العديد من المناصب السامية كوزير للثقافة والإعلام وسفير في العديد من البلدان ثم أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني. وعلى الرغم من انسحابه من مواقع المسؤولية ظل الفقيد حاضرا في كل النشاطات الفكرية والثقافية التي عرفتها الساحتان الوطنية والعربية وكانت له إسهاماته المعبرة عن سعة الفكر وعمق الإدراك لأبعاد الأحداث وصواب التحليل ودقة الاستخلاص. تزول الرجال وتبقى خلالهم راسخة في أذهان الأجيال وأنها لميزة حبا بها الله الأستاذ عبد الحميد مهري. هذا الرمز الوطني الكبير الذي فقدته الجزائر اليوم بعدما عرفته قبل الثورة وأثناءها وبعدها مناضلا استحكمت في نفسه الأبية قيم التواضع والثبات على المبادئ والتعلق بالحرية والعدالة وتبني الحوار كوسيلة لمعالجة القضايا المصيرية وقد كان هذا عنوانه يوم أن واجهت البلاد أحلك الظروف خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي وأثبتت الوقائع صواب اختياره. ثم أن الخسارة تتعاظم حينما نذكر بأن الفقيد كان أرشيفا حيا من المعطيات والحقائق التاريخية والسياسية المرتبطة بالمسيرة الوطنية على مدى أزيد من 60 سنة. فما أفدح هذه الخسارة وقد كانت آمال الأجيال الحاضرة منها والصاعدة أن تعرف قراءة الأستاذ عبد الحميد مهري لكل تلك الأحداث وتفسيره لأسبابها واستخلاصه لنتائجها، لكن مشيئة الله تعالى تأبى غير ذلك فتجمعنا هذه الوقفة المؤلمة في فراق أبدي لا نملك إزاءه إلا تلاوة قوله تعالى »يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي«. إنا لله وإنا إليه راجعون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته