دخلت الترشيحات ضمن القوائم الانتخابية للتشريعيات المقبلة سوق المزاد، وأصبح بموجبها الحديث عن الأموال ومن يدفع أكثر يُغني عن الخوض في معايير الكفاءة والنزاهة التي يفترض أن تكون من أولى شروط افتكاك مراتب متقدّمة في هذه القوائم. وحتى الأحزاب لا تجد أي حرج في توجيه تعليمات كتابية تشترط فيها دفع المزيد من المال مقابل حجز مكانة ريادية دون الأخذ بعين الاعتبار لمسائل النضال والالتزام الحزبي والقناعة بالأفكار والبرامج. في الوقت الذي كان فيه الكثير يعتقد بأن القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي قد جاء من أجل إنهاء ممارسات طالما أساءت إلى العملية الانتخابية في المواعيد التي عرفتها البلاد خلال العقدين الأخيرين، فإن العكس هو ما حصل خاصة أمام تحوّل الأحزاب إلى ما يشبه أسواق موازية للمتاجرة بقوائم الترشيحات، وقد زادت هذه الحمى بشكل مخيف خلال الأيام القليلة الماضية أمام اقتراب موعد انقضاء الآجال القانونية التي حدّدتها وزارة الداخلية لإيداع هذه القوائم. وبعد أن قرّرت الحكومة وضع حدّ لدفع الأموال لممثلي لجان مراقبة الانتخابات التي كانت تدرّ على »المافيا السياسية« بأموال طائلة في كل موعد انتخابي من قبيل الانتخابات البرلمانية، اهتدى الكثير من رؤساء الأحزاب إلى طريقة جديدة للمتاجرة بالقوائم من خلال اشتراط دفع قيمة مالية معينة من أجل حجز مكانة متقدّمة، فأصبح »من يدفع أكثر يتقدّم أكثر« ومن يريد المزيد فلا بد أن يدفع المزيد، لكن الأمر الخطير أن يتحوّل مثل هذا السلوك إلى تقليد تسيّره تعليمات حزبية مكتوبة دون حسيب ولا رقيب. حتى وإن كانت هذه الظاهرة ليست بالأمر الجديد لكن لا يُمكن لأحد أن يُنكر بأنها أخذت أبعادا خطيرة أمام تنامي المتاجرين في قيادات الأحزاب، فالكل يلهث من أجل حيازة رأس القائمة مهما كان اسم الحزب الذي سيترشح فيه والكل يحلم بأن يحالفه الحظ من أجل الوصول إلى قبة البرلمان التي تضمن الحصانة ومزيد من الامتيازات والنفوذ، والكل يفكّر في أن يكون النائب القادم وليذهب هذا الشعب إلى الجحيم. ما يجري حاليا من حراك خاصة لدى الأحزاب التي اعتادت على الظهور في مثل هذا النوع من المناسبات يبعث كثيرا على الانشغال لأن هذا المنطق يعني أنه لا مكانة في القوائم سوى ل »أصحاب الشكارة« والمعتادين على الاستثمار عن طريق »المال الفاسد«. وبهذا المفهوم فإن الممارسة السياسية أصبحت حكرا على من هم على استعداد لدفع الملايير في سوق المزاد الذي فتحته بعض أشباه الأحزاب. لا يُمكن إنكار حقيقة أن المال يبقى عنصرا بالغ الأهمية في استمرار أي حزب من حيث الدعاية والانتشار، لكن ذلك لا يعني أن تتحوّل »الشكارة« إلى معيار وحيد يتم الاستناد عليه، بما يعني أن الحزب أصبح بمثابة السجل التجاري في كل موعد انتخابي بدل أن يكون وعاء للأفكار ومستجلبا للكفاءات وداعيا إلى الإصلاح. فاعتراف وزير الداخلية بأن مثل هذه الممارسات تعتبر بمثابة خروج عن القانون لكن من دون الحديث عن إجراءات واضحة للتصدّي لها يترك الانطباع بأن السلطات العمومية عاجزة عن التحرّك. وبناء على هذه المعطيات لم يعد غريبا أن تلجأ الأحزاب الجديدة إلى اشتراط مبالغ المال على كل من يرغب في أن يحظى بمكانة مرموقة في قوائمها بعيدا عن معايير الوفاء للحزب واحترام قانونه الأساسي ونظامه الداخلي، وأمام الصمت المطبق يمكن للمال السياسي الفاسد أن يرهن مساعي السلطة من أجل إقناع المواطنين بالمشاركة بقوة في الانتخابات ما دام الأمر مقتصرا على وجوه تعوّدت على مثل هذه الممارسات والسلوكات المريبة، وبهذا المعنى فإن الانفتاح الذي صحب الإصلاحات باعتماد أحزاب جديدة سوف لن يكون ذا جدوى إذا كانت النية مبيتة لدى مسؤولي هذه التشكيلات بأن التشريعيات ستدر عليهم بالملايير من »المال القذر«.