هناك مساحة شاسعة بين النقد السياسي والوقاحة، فإذا كانت الدعاية والحملات الانتخابية القائمة على كشف أخطاء ونقائص الخصوم السياسيين هي أمرا مشروعا ومفهوما، فإن التطاول والتجريح والانحدار إلى الإسفاف والفظاظة في تناول الآخرين هي ليست من السياسة في شيء، بل هي عين الغباء السياسي ويبدو أن بوصلة زعيم حركة حمس أبوجرة سلطاني قد حادت عن طريقها هذه المرة ونسي الرجل أن »الجبهة« التي تطاول عليها هي أكبر من أن تعنيها عباراته المتشنجة في شيء وأنه شاء أم أبى تبقى الجبهة حزب الجزائريين الأول. لا يمكن فهم وتحليل تصريحات أبوجرة سلطاني الأخيرة حين تهجم بشكل فظ ووقح على حزب جبهة التحرير الوطني إلا ضمن سياق واضح، يمكن تلمس ملامحه الأولى منذ بدأ زعيم حمس التلويح بالانسحاب من التحالف الرئاسي الذي كان وإلى غاية أشهر قليلة من أشد المدافعين عنه وعن حصيلته وبل ذهب أبعد من ذلك حين طالب شريكيه في التحالف الأفلان والأرندي بتطوير هذا التحالف إلى شراكة إستراتيجية. هذا الكلام لم يكن منذ سنوات أو عقود؛ بل منذ أشهر معدودة، وحين رفض الحزب العتيد مقترحات حمس على خلفية أن التحالف الرئاسي هو مظلة سياسية للتعاون والتكامل وليس أطارا تذوب فيه خصوصية كل حزب ينتمي إلى هذا التحالف عاد سلطاني ليوجه سهامه صوب التحالف الرئاسي وكان إلى غاية تلك الفترة لم يعلن صراحة عن الانسحاب بشكل قطعي، بل حاول اعتماد سياسة شد العصا من الوسط والتي كانت محط استهجان حتى الكثير من قيادات الصف الأول لحركة »حمس«؛ فالرجل وفي أكثر من مناسبة سياسية وإعلامية كان يبعث برسائل مشفرة تنتقد التحالف الرئاسي ضمنا وتلوح بالانسحاب منه وفي الغرف المغلقة كان يتبرأ ويدافع عن التحالف وحصيلة التحالف. واستمرت هذه المراوحة والمناورة لعدة أشهر إلى غاية أن أعلن رئيس الجمهورية عن مشروع الإصلاحات السياسية وعندها أدرك أبوجرة أن رياح التغيير قادمة لا محالة وأن الوقت قد حان لإعادة التموقع على الساحة السياسية، خاصة أن موعد استحقاقات انتخابية مهمة قد بدأ يقترب وهو الأمر الذي دفع بزعيم حمس إلى رفع نبرة صوته تجاه التحالف الرئاسي ووصل به الأمر في إحدى التجمعات إلى درجة وصف شريكيه في التحالف أنهما خطرا على الديمقراطية في الجزائر وكان مثل ذلك الكلام يبدو غريبا وغير منطقي وقتها. لكن ما حدث لاحقا حين أعلن أبو جرة سلطاني الانسحاب من التحالف الرئاسي بحجة أن هذه المظلة السياسية استنفذت الغرض منها وحان الوقت لتغيير قواعد اللعبة السياسية بدأت تتضح شيئا فشيئا ملامح مشروع حمس الجديد والذي قوامه الأساسي تشديد اللهجة تجاه الجميع على الساحة السياسية بغرض إيهام الرأي العام أن حركة الراحل محفوظ نحناح قد عادت لصفوف المعارضة من جديد . بعد ذلك تكررت خرجات أبوجرة سلطاني الغريبة والمتشنجة كثيرا وقد طالت شطحاته وسيناريوهاته الخيالية العديد من الأحزاب والشخصيات، وكان الرجل يتحدث واهما نفسه أن يمتلك ناصية التحليل والاستشراف بلغة لا تخلو من استعلاء وفوقية تجاه خصومه وشركائه في التيار الإسلامي على حد سواء، والأهم من ذلك كله، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي طعنت كل مصداقية أو جدية في كلام أو تحاليل زعيم »حمس«، هي حين ربط بين نزاهة الانتخابات التشريعية القادمة وفوز التيار الإسلامي بالأغلبية البرلمانية، وبدا واضحا عندها أن السيد سلطاني قد بدأ يترنح سياسيا، وأن الانشقاقات التي طالت حركته ورفض جاب الله دعواته للتحالف كلها عوامل ساهمت في إيصال الرجل إلى حالة من اليأس في الحصول على أي مكسب يذكر في الاستحقاقات القادمة وانتهى به الأمر أخيرا إلى درجة الهذيان السياسي حين بدأ يتحدث أنه سيحكم الجزائر وأن عمار غول هو رئيس البرلمان القادم وتصريحات أخرى من هذا القبيل ما يجمع بينها هو افتقادها إلى أي شكل من أشكال الرصانة أو الجدية.