اختطفت مجموعة مسلحة مجهولة يعتقد انتماءها لتنظيم »الجهاد والتوحيد بغرب إفريقيا« القريبة من الفرع المغاربي ل»القاعدة«، قنصل الجزائر بمدينة غاو وستة من الموظفين الدبلوماسيين المساعدين له، وفيما أعلنت حركة تحرير أزواد رسميا الانفصال عن مالي وتكوين دولة مستقلة في شمال هذا البلد، دعا زعيم الانقلابين الدول الغربية إلى التدخل عسكريا في شمال مالي ضد الحركات الجهادية على غرار تدخلها في أفغانستان. اقتادت صبيحة أول أمس مجموعة مسلحة يعتقد أنها تابعة للتنظيم المسمى »الجهاد والتوحيد بغرب إفريقيا« والمقرب من تنظيم القاعدة، قنصل الجزائر بمدينة غاو بشمال مالي وستة من الدبلوماسيين المساعدين له، إلى وجهة مجهولة، حيث قام المسلحون بإنزال العلم الجزائري ورفعوا الراية السوداء لتنظيم »القاعدة«، وجاء ذلك ساعات فقط بعد الإعلان عن استيلاء مجموعات متطرفة تابعة لتنظيمات جهادية قريبة من القاعدة، فضلا عن عناصر الحركة الوطنية لتحرير الأزواد على المدينة وطرد الجيش المالي منها. وأكدت الخارجية الجزائرية هذه المعلومات وجاء في بيان لها أنه »إثر هذا العمل الذي تدينه الجزائر بشدة فقد تم تنصيب خلية أزمة لمتابعة تطور هذه القضية و ليتم تسخير كل الوسائل الضرورية لعودة مواطنينا سالمين«. وصرح رئيس الدبلوماسية الجزائرية مراد مدلسي لوسائل الإعلام أنه يتم حاليا »احتجاز قنصل الجزائر بغاو وستة أعوان تابعين للقنصلية من قبل أطراف مجهولة«، وقال الوزير في نفس السياق أن »الحكومة مجندة بغية ضمان إطلاق سراحهم«، مضيفا بأن »قنصل الجزائر بغاو والأعوان الستة التابعين للقنصلية أجبروا على الخروج من مقر التمثيلية الدبلوماسية وأنهم حاليا تحت مسؤولية أطراف لا نعرفها«. ولم يتم لحد كتابة هذه السطور تبني عملية الاختطاف من أي فصيل مسلح ينشط بشمال مالي، أو عن مطالبه لإخلاء سبيل الدبلوماسيين الجزائريين، ويذهب الاعتقاد إلى أن المجموعات الإرهابية سوف تستعمل هؤلاء الدبلوماسيين كورقة للضغط للحصول على المال أو تنازلات معينة، علما أن الجزائر عاشت في السابق وضعية مماثلة، ففي سنة 2005 اختطفت تنظيم القاعدة ببلاد الرافدين الدبلوماسيين علي بلعروسي وعز الدين بلقاضي، من مقر السفارة الجزائرية ببغداد، وانتهت القضية بإعدامهما بأمر من الأمير السابق للتنظيم أبو مصعب الزرقاوي. ويشار أيضا إلى أن البعثة الدبلوماسية الجزائرية بمالي، وخصوصا بالمناطق الشمالية لهذا البلد كانت قد تعرضت إلى تهديدات كثيرة، ويطرح السؤال عن السبب الذي جعل الجزائر لا تسارع إلى سحب ممثلياتها الدبلوماسية من مناطق الصراع على غرار ما فعلته دول كثيرة، خاصة وأنه بدا منذ الوهلة الأولى بأن بعض المدن في شمال مالي سوف تقع حتما تحت سيطرة تنظيمات إرهابية مرتبطة بالقاعدة. وأصبحت مسألة وقوع الدبلوماسيين الجزائريين بيد المجموعات الإرهابية شبه مؤكدة، وتبدو المعلومات التي تتحدث عن وقوف تنظيم الجهاد والتوحيد بغرب إفريقيا المنشق عن تنظيم عبد الملك درودكال حديثا، هي الأقرب إلى التصديق، وقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية مشاهد من أمام القنصلية الجزائرية بغاو تظهر الدبلوماسيين الجزائريين وقد أرغموا على امتطاء سيارات رباعية الدفع من قبل عدد من الملثمين من ذوي البشرة السوداء، كما بدا علم »القاعدة« الأسود والمكتوب بالعربية وبلون أبيض ظاهر للعيان، علما أن تنظيم الجهاد والتوحيد كان أعلن في وقت سابق اختطاف عمال إغاثة غربيين من مخيم »الرابوني« للاجئين الصحراويين بتندوف، وتبنى أيضا الهجوم على الدرك الوطني بمدينة تمنراست، ويسيطر على هذا التنظيم سلفيون موريتانيون، كما يضم في صفوفه عناصر من مالي والنيجر والمغرب والجزائر وتونس وليبيا. يشار إلى أن عناصر تنظيم الجهاد والتوحيد يسيطرون بالكامل على مدينة غاو، فيما يشارك تنظيم »أنصار الدين« المقرب هو الأخر من القاعدة في السيطرة على مناطق أخرى بشمال مالي، منها مدينة تومبوكتو، وتعتبر هذه الحركة القوة الإسلامية التي عملت معها الحركة الوطنية، وأعلنت منذ البداية أنها تريد تطبيق الشريعة في شتى أنحاء مالي ولم تضع إلى الآن حدودا لمدى تقدمها، ورغم تأكيد الحركة الوطنية لتحرير أزواد الترقية بأنها هي التي تقف وراء ما تسميه ب »تحرير« شمال مالي، فإن الحقيقية الميدانية التي تتناقلها مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية تشير صراحة إلى أن التنظيمات الجهادية لها كلمتها وتتحكم هي الأخرى في أجزاء كبيرة من شمال البلاد. ويأتي الاعتداء على القنصلية الجزائرية بغاو في وقت أعلنت فيه الحركة الوطنية لتحرير أزواد عن وقف إطلاق النار، بعد إتمام مهمة »التحرير«، كما سارعت من جهة ثانية إلى إعلان الاستقلال، وصرح المتحدث باسم الحركة موسى أغ الطاهر للقناة الإخبارية »فرانس 24«: »نعلن رسمياً استقلال أزواد اعتباراً من اليوم الجمعة«، مؤكداً عزم الحركة على احترام »الحدود مع الدول المحاذية«، وهي محاولة لتخفيف حدة التخوف لدى الجيران، خصوصا الجزائر التي تربطها حدود طويلة مع شمال مالي. وأضاف المسؤول الأزوادي: »لقد أنهينا للتو معركة مهمة جداً، هي معركة التحرير«، مستعيداً ما ورد في بيان حركة تحرير أزواد الذي وقعه أمينها العام بلال أغ الشريف، وجاء في نص بيان استقلال الأزواد والذي نشر على موقعهم على الإنترنت: »نحن الحركة الوطنية لتحرير أزواد باسم الشعب الأزوادي الحر الأبي، وبعد المشاورات مع اللجنة التنفيذية، المجلس الثوري، المجلس الاستشاري، المكاتب الإقليمية، قيادة أركان جيش التحرير الوطني نقرر بشكل لا رجعة فيه إعلان استقلال دولة أزواد، اعتباراً من اليوم ونعلن اعترافنا بحدود دول الجوار واحترامها، الانخراط الكامل في ميثاق الأممالمتحدة، نتعهد بالعمل على توفير الأمن، والشروع في بناء مؤسسات تتوج بدستور ديمقراطي لدولة أزواد المستقلة، اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية لتحرير أزواد تدعو المجتمع الدولي إلى الاعتراف بأزواد دولة مستقلة بدون تأخير، اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية لتحرير أزواد تستمر في تسيير شؤون أزواد حتى يتم تعيين سلطة وطنية أزوادية«. وفي موقف بدا وكأنه مؤامرة على كامل المنطقة، دعا زعيم الانقلابيين النقيب أمادو سانوغو الدول الغربية إلى التدخل عسكريا في شمال مالي ضد الحركات الإسلامية المسلحة على غرار تدخل الغرب في أفغانستان لإسقاط حركة طالبان، وقال سانوغو لصحيفتين فرنسيتين هما »ليبيراسيون« و»لوموند«: »إذا كانت القوى الكبرى قادرة على عبور المحيطات ومقاتلة المنظمات الأصولية في أفغانستان فماذا يمنعها من القدوم إلى بلادنا؟ لجنتنا تريد الخير للبلاد، العدو معروف وهو ليس في باماكو، إذا كانت هناك قوة تدخل فعليها أن تتحرك في الشمال«. ويرتقب أن يعلن قادة الأركان لقوات دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عن التدخل العسكري في مالي، رغم أن هذه القوة الإفريقية لا يتعدى عدد أفرادها الثلاثة ألاف فرد، وسوف تكتفي فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية على ما يبدو في الظرف الحال بتقديم الدعم اللوجستي لهذه المجموعة، ويبقى تدخلها المباشر أمرا واردا وهو ما لمح إليه وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبي.