بانقضاء الحملة الانتخابية لتشريعيات العاشر من ماي، تضبط السلطة والأحزاب المشاركة في السباق الانتخابي عقارب ساعتها على موعد الحسم الخميس المقبل، قي انتظار حكم الشعب حيث لا صوت يعلو فوق صوته. دخلت الانتخابات التشريعية مرحلة العد التنازلي، بانتهاء الحملة الانتخابية التي انطلقت قبل ثلاثة أسابيع للدعاية للأحزاب والمترشحين، فقد صال وجال قادة الأحزاب ال 44 المشاركين وعشرات القوائم الحرة عبر الوطن، داعين المواطنين للذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار الأحسن من بين المترشحين، طبعا كل حزب يدعي امتلاك الحلول السحرية للمشاكل الكلاسيكية للمواطن التي تتجدد مع كل عهدة انتخابية، وهي السكن والبطالة والتشغيل والتنمية والشباب وغيرها من الملفات الثقيلة. وقد سجل المتتبعين سقوط الخطاب الحزبي في المزايدات أحيانا والوعود الكاذبة في كثير من الأحيان، خاصة في محاولات جلب انتباه المواطن الذي أبدى نوع من البرودة في التعاطي مع الحملة الانتخابية رغم إثارة السياسيين والمترشحين للمخاطر المحيطة بالانتخابات داخليا وخارجيا. ويعتقد مراقبون في تقييم أولي لمجريات الحملة أن الخطاب السياسي المتداول طيلة الحملة الانتخابية لم يعكس مستوى الحراك السياسي الذي صاحب عملية الإصلاحات، حيث غاب الحديث عن البرامج العملية القابلة للتنفيذ وإسراف المترشحين وقادة أحزابهم في تسويق وعودا تبدو غير قابلة للتطبيق، في سلوك يبرز عدم فهم السياسيين لاهتمامات الجزائريين وانشغالاتهم الحقيقية وطموحاتهم المتزايدة. وهو ما ضيع فرصة مناسبة للنقاش الجدي والتراشق بالأفكار والبرامج حول معالم الدولة المستقبلية وعن الرهانات الحقيقية التي تسعى الجزائر لكسبها من خلال إعادة التجديد المؤسساتي والتشريعي. ورغم سعي الأحزاب للتقرب أكثر من اهتمامات المواطن من خلال السعي لكسب الشباب والتظاهر بالاهتمام بانشغالاته، كما هو الشأن بالنسبة للطبقات الكادحة التي تئن تحت وطئة المعاناة الاجتماعية، إلا أن عدم اكتراث المواطن لما يدور حوله من »لغط« لأحزاب شكلت صدمة للجميع. على صعيد أخر كشفت الحملة الانتخابية المنقضية على واقع مرير بالنسبة للمهتمين بالشأن السياسي وهو أن الكم الهائل من الأحزاب التي تكاثرت تحت عنوان الانفتاح السياسي الذي كرسته إصلاحات الرئيس بوتفليقة، لم يكن في مستوى الآمال التي سبقت الانفتاح، حيث لم نسجل خطابات جديدة، ولا ممارسات تنم عن تحول في الفعل السياسي التقليدي، ولا وجود لمبادرات جدية، متكاملة بإمكانها وضع أرضية لمشروع مجتمع. فالأمل الذي تجلى مع الإعلان عن الإصلاحات السياسية والتوقعات في أن تكون الحملة الانتخابية شديدة التنافسية في استقطاب الناخبين لبرامج من شأنها أن تصحح الاختلالات التي عرفتها منظومة الحكم مند عقود وتعيد التوازن الاقتصادي من خلال بعث حركية التنمية والإنعاش الاقتصادي وتكريس مفاهيم المواطن بما تتضمنه من عيش كريم واحترام للحريات الفردية والجماعية وتوسيع هامش حرية التعبير والتفكير والحوار الاجتماعي والثقافي والسياسي، وبسط العدالة، بما يمكن من التصدي للفوارق الاجتماعية التي يتخبط فيها المواطن تقلصت باختبار أداء الأحزاب الجديدة في الميدان. هذه المعطيات جعلت الأحزاب التقليدية تظهر في ثوب الأفضل أو بالأحرى الأقل سوء مقارنة بما أنتجته الإصلاحات من أحزاب هي في الأصل مجرد عناوين. وقد ظهر ذلك جليا من خلال حملة استعراض العضلات التي تقوم بها الأحزاب الموصوفة بالكبرى والتي تستثمر في ما تسميه انجازاتها في الحكم. غير أن الأنظار الآن تبقى متجهة لما سيقرره الشعب في حكم يبقى حاسما ومصيريا، لكن أيضا من شانه أن يزن كل حزب وزنه الحقيقي، سيما وان كل الضمانات سخرت لانتخابات نزيهة وشفافة.