كما كان متوقعا، تحولت الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى أكبر حدث عالمي غطى على كل الاهتمامات في صدارة وسائل الإعلام العالمية، والسبب أن الناخبين الأمريكيين لم يكونوا يختارون رئيسا لأمريكا فقط، ولكنهم كانوا بحكم المكانة المتفردة لبلدهم يختارون رئيسا للعالم! ولذلك كان ممثلو الأمم والشعوب الحية يعدون العدة للتعامل مع نتائج الانتخابات الأمريكية بغض النظر عن اسم الفائز فيها• وهكذا ذكرت جريدة "لوموند" الفرنسية في طبعتها الالكترونية يوم الثلاثاء 4 نوفمبر 2008، أي في يوم إجراء الانتخابات الأمريكية أن وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي الممثلين ل 27 دولة أوروبية اجتمعوا في مدينة مارسيليا الفرنسية لتنسيق مواقف الاتحاد والاتفاق على نص وثيقة ترسل إلى الرئيس الامريكي المنتخب تقترح عليه شراكة حقيقية بين أوروبا وأمريكا• وأوردت الصحيفة تصريح وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنر الذي أكد بكل ثقة:" أن الأمر لا يتعلق فقط بطلب أشياء من الولاياتالمتحدةالأمريكية ولكنه يتعلق بإعطاء أوروبا المكانة اللائقة بها"• عندما يتأمل المرء هذا التصرف الذي يجعل دولا أوروبية قوية بذاتها ومتطورة باقتصادياتها وتمتلك أغلبها قوة رادعة معتبرة لضمان أمنها القومي، تشعر مع ذلك بضرورة التكتل والاجتماع وتنسيق المواقف للحصول على التقدير اللازم من الرئيس الجديد في الولاياتالمتحدة وإشعاره بضرورة احترام مصالحها في العالم وعدم توريطها في مغامرات أو سياسات معاكسة لتلك المصالح• ولا شك أن الصين وروسيا والهند وربما دول أمريكا الجنوبية لها هي أيضا مطالبها من الرئيس الأمريكي الجديد ومقترحات للتعامل معه بما يحفظ مصالحها وأمنها• أما إسرائيل فقد صرح رئيس وزرائها المنتهية عهدته إيهود أولمرت فهو متأكد أنه مهما كان الفائز بالانتخابات الأمريكية فإنه سيكون صديقا لإسرائيل قائلا:" ليكن أوباما أو جون ماكين إنني أعرف أنهما سيكونان صديقين لإسرائيل"• ويعدم هذا ما ذهبت إليه وثيقة الاتحاد الاوروبي الموجهة الى الرئيس الأمريكي الجديد التي تنص على أنه يجب على كل رئيس أمريكي أن يؤكد التزامه إلى جانب إسرائيل• ومقابل هذه المواقف لم أجد على مستوى العالم الإسلامي ولا على مستوى الوطن العربي ما يطمئن إلى وجود خارطة طريق جماعية واضحة المعالم للتعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد• رغم أن العرب كانوا قد حجوا إلى مدينة أنابوليس الأمريكية تحت رئاسة جورج ولكر بوش ليصفقوا لتوقيع الاتفاقية الاسرائيلية الفلسطينية التي رعتها الادارة الامريكية من أجل الوصول الى إقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية سنة 2008! لقد كانت كل دولة عربية تحاول من جانبها أن تتجمل في أعين الفائز الجديد بمقاليد البيت الأبيض، وتضلل شعبها بأنها دولة محورية وتحتل صدارة الاهتمام في أجندة الرئيس الأمريكي المنتخب• وعلى سبيل المثال كتب طارق الحميد في جريدة "الشرق الأوسط" التي يرأس تحريرها والمقربة من العائلة الحاكمة في السعودية، أنه إذا فاز أوباما وأراد الحوار في الشرق الأوسط فعليه أن يتوجه الى السعودية لأن ملكها يملك مبادرة الحوار بين الأديان• وإذا أراد أوباما السلام فعليه أيضا أن يتوجه إلى السعودية لأن المبادرة السعودية للسلام هي الوثيقة المعتمدة من طرف العرب• وإذا أراد الضغط على إيران فعليه أيضا أن يتوجه الى السعودية لأنها تستطيع أن تعيش بسعر للبترول يقل عن 70 دولارا للبرميل، بينما يعتبر مثل ذلك السعر كارثة بالنسبة للقيادة في إيران! المحزن في الأمر أن السعودية وهي بالفعل من الدول ذان الوزن الاستراتيجي الكبير في الأمة العربية والإسلامية، يرى صحفيوها وكتابها بأن عليها أن تدفع الأموال وأن تستخدم كورقة ضغط على دول إسلامية أخرى ليكون لها وزن وشأن في علاقتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومع رئيسها الجديد• ولعل هذا الاعتقاد هو الذي دفع برئيس الوزراء البريطاني غوردون براون لزيارة دول الخليج ليحثها على دفع فاتورة الأزمة المالية العالمية التي تسببت فيها البنوك الأمريكية وجشع النظام الرأسمالي الغربي• وهكذا فإن غوردون براون وبعد أن شتم دول "الأوبيك" وهددها بالويل، ووصف قرارها لتخفيض إنتاج النفط باللاأخلاقي لم يتحرج من دعوة قادة دول الخليج إلى إنقاذ الرخاء المعيشي للأمريكيين والأوروبيين بدفع ما تبقى في صناديقهم التي نسفت منها أزمة وول ستريت حوالي 400 مليار دولار في بضعة أسابيع• لا يبدو العرب بصفة خاصة والمسلمين بصفة عامة قد اتعظوا من خيباتهم مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ففي انتخابات سنة 2000 راهن أغلبهم على فوز المرشح الجمهوري آنذاك جورج ولكر بوش بل أن المعلومات التي ظهرت بعد ذلك أكدت أن الأمير السعودي بندر بن سلطان بن عبد العزيز قد لعب دورا رئيسا في وصول جورج ولكر بوش إلى سدة الرئاسة من خلال نصائحه وتوجيهاته الصائبة في المجال الدبلوماسي وتشابك الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط• وبعد وصول جورج ولكر بوش إلى الرئاسة ذاق العالم الاسلامي منه مرارة الحقد الصليبي ووجه جيوشه لاحتلال بلدين مسلمين وقهر شعوبهما والدوس على سيادتهما، مدعيا أنه فعل ذلك بتكليف من الإرادة الإلهية! إن انتخاب المرشح الديمقراطي الشاب الأسمر باراك أوباما هو في نهاية الأمر أقل الخيارات سوءا للعالم الاسلامي والعربي• ولكن انتخاب أوباما هو قبل كل شيء خطوة جبارة في مسعى ترسيم الحلم الأمريكي الذي كاد يتعرض للانكسار في عهد الرئيس الأمريكي الثالث والأربعين جورج ولكر بوش•