في الذكرى الستين لليوم العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948 - 10يسمبر 2008) مازالت دولة إسرائيل التي احتفلت بقيامها قبل ستين سنة (ماي 1948) بقرار من هيئة الأممالمتحدة تنتهك يوميا حقوق الفلسطينيين باستهتار وعربدة وعجرفة تحت غطاء وحماية الفيتو الأمريكي. وقبل أيام قليلة رفض المندوب الأمريكي تضمين بيان مجلس الأمن إدانة اعتداءات المستوطنين الاسرائيليين ضد سكان مدينة الخليل. ولكن هذا لا يمنع الأصوات الحرة والمعبرة عن الكرامة الإنسانية من الجهر بالحق والمطالبة بوضع إسرائيل في موضع الدولة المنهكة لحقوق الإنسان والمتمسكة بنظام الفصل العنصري. ولعل من أقوى وأبلغ هذه الأصوات الحرة صوت السفير السيد ميغيل ديسكوتو بروكمان رئيس الجمعية العامة لهيئة الأممالمتحدة الذي دعا خلال افتتاح جلسة مناقشة الوضع في فلسطين يومي 25 و26 نوفمبر الماضي (2008) إلى مقاطعة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وقد نشرت جريدة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية نص كلمته الافتتاحية التي جاء فيها:"أدعو المجموعة الدولية إلى أن ترفع صوتها ضد العقوبة الجماعية لسكان غزة، وهي سياسة لا يمكننا قبولها. إننا نطالب بوضع حد للانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان، وندعو إسرائيل القو ة المحتلة إلى السماح بمرور مواد الإغاثة الإنسانية وغيرها إلى قطاع غزة. لقد تكلمت في هذه الصبيحة عن نظام الميز العنصري وكيف أن تصرفات الشرطة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة تبدو مشابهة للتفرقة العنصرية التي مورست في عهد بائد وفي قارة أخرى بعيدة. يجب ألا نخاف في الأممالمتحدة من تسمية الأسماء بمسمياتها... قبل عشرين سنة اتفقنا في الأمم بأن العقوبات أصبحت ضرورية لممارسة ضغط سلمي على جنوب إفريقيا. قد يكون من الممكن لنا في الأممالمتحدة أن نحذو حذو جيل جديد من المجتمع المدني الذي يطالب بحملة سلمية مشابهة من المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات لممارسة الضغط على إسرائيل...". إن تقييم السيد ميغيل ديسكوتو بروكمان للوضع في فلسطين والممارسات العنصرية للنظام الصهيوني لا تختلف عن ما توصل إليه في العام الماضي (فيفري 2007) السيد جون دوغارد مقر الأممالمتحدة لحقوق الإنسان الذي قال في تقريره الذي كان لبه مفعول القنبلة في إسرائيل "إن بعض سياسات الاحتلال الاسرائيلي تشبه نظام الميز العنصري". وهذا التقرير حول إسرائيل هو الذي دفع وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني تعلن عن مقاطعة اسرائيل للمنتدى العالمي الثاني حول حقوق الانسان الذي سينظم في شهر أفريل المقبل (2009) تحت رعاية الأممالمتحدة في مدينة جنيف عاصمة سويسرا، وتدعو الدول الأخرى إلى مقاطعة هذا المنتدى لأنه يشجع الكراهية كما ادعت! وهذه الأصوات الهامة والمؤثرة تضاف إلى ما سبق أن جهر به كل من القس ديزموند توتو رئيس أساقفة جنوب إفريقيا والحائز على جائزة نوبل للسلام في سنة 1984، وهو مع الزعيم نيلسون مانديلا من قادة النضال ضد نظام جنوب افريقيا العنصري، وكذلك شهادة الرئيس الأمريكي الأسبق السيد جيمي كارتر الحائز على جائزة نوبل للسلام وصاحب كتاب "فلسطين: السلام لا الفصل العنصري" وقد قدم كتابه كما يلي:"يتناول الكتاب القهر والاضطهاد غير المألوفين السائدين في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة التي يقسمها نظام صارم يتطلب استصدار موافقات وتسريحات خاصة للانتقال من مكان إلى آخر والتي يفرض فيها العزل الحاد بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية ويجري حاليا بناء جدار ضخم يتلوى كالافعى عبر ما تبقى من فلسطين على النحو الذي يخصص المزيد من الأراضي للمستوطنين الاسرائيليين. وهذا اضطهاد يفوق في كثير من جوانبه الاضطهاد الذي عرفه السود في جنوب إفريقيا أيام الحكم العنصري". وفي سنة 2001 لم ينقذ الجنرال الاسرائيلي ارييل شارون سفاح مخيمي صابرا وشاتيلا من المثول أمام محكمة بلجيكية بتهمة اقتراف جرائم حرب وانتهاك حقوق الانسان، ورغم أنه كان في تلك الفترة يتولى رئاسة الحكومة الاسرائيلية، سوى الضغط الأمريكي حيث هدد وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس نظيرها البلجيكي بالويل والبثور إن سمحت الحكومة البلجيكية بعقد المحاكمة واستسلمت في النهاية الحكومة البلجيكية تحت الضغط الشديد ورفضت إجراء المحاكمة بحجة أن المتهم يتمتع بحصانة سياسية والمهم أن صورة اسرائيل ما فتئت تتعرض للاستهجان والانكسار. وفي الذكرى الستين للاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان أصدرت الجمعية الاسرائيلية للحقوق المدنية بيانا وصفت فيه ممارسة السلطات الاسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بأنها تشبه نظام الفصل العنصري حيث قالت"إن التمييز الملموس على مستوى الخدمات والميزانيات والحصول على الموارد الطبيعية بين المجموعتين على الأراضي نفسها يشكل انتهاكا واضحا لمبدأ المساواة الأمر الذي يذكر في كثير من جوانبه وأساليبه أكثر فأكثر بحدة بنظام الفصل العنصري الذي كان مطبقا في جنوب افريقيا". في سنة 1991 فرضت أمريكا على الأممالمتحدة إلغاء القرار 3379 الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 أكتوبر 1975 باعتبار الصهيونية شكلا من أشمال العنصرية والميز لعنصري، وقد كانت أمريكا في سنة 1991 تستعد لتكون القوة الوحيدة المهيمنة على العالم بعد انتصارها في حرب الخليج الثانية وتصاعد مؤشرات انهيار الاتحاد السوفياتي. ولكن هل تستطيع أمريكا أن تفرض على العالم العمى السياسي أمام الممارسات العنصرية للنظام الصهيوني في اسرائيل؟ والجواب هو لا، بكل تأكيد! والنماذج السابقة للرأي العام الدولي تبشر بذلك! وعليه فإن واحة الديمقراطية وجنة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط ليست في الواقع سوى نظام بغيض للهيمنة العسكرية والتفرقة العنصرية!