وأخيرا "غزة" هذه القطعة من أرضنا العربية المحتلة وهؤلاء الصامدين تحت نيران الموت وآلة الحرب الصهيونية تتدفق دماؤهم، تتناثر أشلاؤهم وهم صابرون صامدون• العرب، كل العرب في خلافاتهم غارقون، أيجتمعون أم لا يجتمعون وهم إن اجتمعوا أم لم يجتمعوا لن يقدموا أي شيء للقضية، بل إن افتعال الخلاف هو وجه آخر من وجوه المؤامرة على فلسطين• نعم، تحركت آلة الحرب الصهيونية لتدك غزة على رؤوس أبنائها العزّل في البيوت والمستشفيات وحتى المساجد، وقد كانت المباركة العربية هذه المرة مكشوفة وواضحة رغم محاولة التبرير والتضليل وإطلاق التفسيرات التي لم تصل إلى إخفاء الحقيقة، وهي تشجيع العدوان وتصفية المقاومة الفلسطينية التي ما تزال تحمل لواء الكفاح من أجل إقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف• العرب على كثرة عددهم كقادة ومسؤولين، وعلى الرغم من كثرة أموالهم التي تحول دون سقوط الرأسمالية في الأزمة العالمية القائمة، تخلوا عن فلسطين وعن أهلنا في غزة ولم يتمكنوا من كسر الحصار الذي وضع أكثر من مليون ونصف المليون في سجن لا تفتح أبوابه ولا تمر إليه مقومات الحياة••• هم اليوم لا يملكون سوى بعض التصريحات لحفظ ماء الوجه، فيها تنديد لا يقدم ولا يؤخر في الأمر شيئا، وفيها من الحيطة والحذر بانتقاء الكلمات وتمييع المواقف حتى لا تغضب الولاياتالمتحدة وإسرائيل• نعم، "غزة" تحت القصف الإسرائيلي الجوي والبحري وقريبا الهجوم البري ولكن الصمود والتصدي الذي برز في الساحة من أبناء فلسطين في القطاع وفي الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر ما يقلق العدو ويثير الرعب في نفوس الحكام العرب الذين يعرفون أنهم تآمروا ويتآمرون على قضية الشعب الفلسطيني•• غزة تُحرق وسكانها يُقطّعون إلى أشلاء وشوارعها تنزف دما وبعض القادة الفلسطينيين بالكاد يتحركون وبالكاد يحركون الضمير العالمي والقوى الدولية لتوقف هذه الهجمة•• فلسطين لا تزال مغتصبة وشعبها لا يزال تحت رحمة الاحتلال الصهيوني وكل ما هو موجود اليوم إلا خدعة مبرمجة وكذبة كبيرة تتخلص من خلالها إسرائيل من التزاماتها، وتنهي حركة المقاومة التي أرغمتها لتلجب إلى مائدة التفاوض، ولكن للأسف، كل شيء تغير وكل الدلائل تشير إلى أن فلسطين لم تعد في حاجة إلى تفاوض ووساطات عربية بل هي في حاجة إلى أن تستعيد المقاومة دورها لمواجهة الاحتلال واستمرار عملها المسلح الذي يبقى الطريق الوحيد إلى قيام الدولة الفلسطينية المنشودة• تعيش "غزة" اليوم آثار المؤامرة العربية التي أفسحت المجال لمجزرة سوف تضاف إلى المجازر الكبرى التي عاشها الشعب الفلسطيني ومن جراء التآمر العربي ولصالح إسرائيل• فمنذ النكبة سنة 1948 توالت المجازر، وانهزمت الجيوش العربية بفضل مؤامرة أحيكت بين أطراف عربية وإسرائيل وبريطانيا، وتواصلت المؤامرة على الشعب الفلسطيني، فكانت النكبة الثانية 1967، ثم كان سبتمبر الأسود بالأردن 1970 ضد المقاومة الفلسطينية فاجتياح جنوب لبنان 1978 ثم احتلال بيروت 1982 لإخراج المقاومة الفلسطينية وتوزيعها على الدول العربية، ثم الهجوم الإسرائيلي على قوات القيادات الفلسطينية في تونس واغتيال أبو جهاد وأبو إياد وصولا إلى التآمر على المقاومة الوطنية اللبنانية وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفذ هجومها الفاشل على جنوب لبنان صيف 2006، هذا دون أن نتحدث عن المجازر التي ارتكبت في جنين ورام الله والخليل وكلها تحدث في ظل الصمت العربي والتآمر الدولي والخلافات الفلسطينية - الفلسطينية وها هي اليوم "غزة" تعيش المأساة والعرب لا يزالون في تشاور ليس من أجل وقف العدوان وإتخاذ المواقف الصلبة الصامدة الفاعلة، بل من أجل اختيار كلمات التأبين والتنديد الفارغة المحتوى •• وحدك يا غزة بصبر وصمود أبنائك تبعثين الأمل في الغد الآتي حتما بالنصر المغمد بالدم•