قال لي وهو ينظر إلى طفل تتوسّل به إحدى "المجرمات" على قارعة الطريق: الدولة استقالت.. ! أجبته بتساؤل كأن ما قاله تحصيل حاصل: وهل تراها قدّمت بيانا رسميا بذلك؟ قال وقد فتح الله عليه: دولة تسمح بتسوّل الأطفال أو تشغيلهم أو تشرّهم، لا تحتاج إلى بيان.. هل بالغ صاحبي في رسم لوحة وجعه؟ في الدول التي تحترم مواطنيها يحتفون بالإنسان شيخا ويحتفون به شابا ويحتفون به طفلا.. إنهم يحتفون بعيد الطفولة بمزيد من المكتسبات المادية والأدبية بتعزيز الحقوق والتشريعات.. الدولة هناك توفّر شروط التربية والتعليم والصحة والعلاج، ولا تدفع المنح للأولياء وتحاسبهم على أوجه صرفها، فإذا رأت تقصيرا تدخلت من خلال مؤسسة الحماية الاجتماعية، وإذا كان التقصير فادحا بأي شكل من الأشكال تدخّلت بقوة القانون لتحمي أطفالها وتضعهم في مؤسسات ومراكز تضمن حقوقهم كاملة إلى أن يكبروا.. هناك في تلك الدول، الأبوة تكليف وليست مجرّد عاطفة، وتتحدد العلاقات بوضوح بين الأزواج والأسر وبين المجتمع والدولة.. هناك تشعر بأن الدولة ليست وهما..لها رجال وسلطات وقانون وحريات ولا يقوم شأنها بالخطب فقط.. لنعترف بأننا في كل فاتح جوان نذكر أطفالنا بخير ونوزّع عليهم الهدايا والورود أمام كاميرات التلفزيون، وتفرد الصحف ملفات تحت عناوين بارزة.. نكتفي بذلك، لأن واقع الطفولة بائس حقّا، وتشريعاتنا متخلّفة والدور الرقابي للدولة معدوم.. هناك..يولد مئات الأطفال بلا نسب ولم تفعل الدولة شيئا لتثبت نسبهم وتلزم آباءهم.. هناك..آلاف الأطفال يشتغلون في الورشات والمقاهي عند إقطاعيين يموتون على "الصوردي" ويكرهون الضرائب.. هناك..آلاف الأطفال يتعرضون للتحرّش الجنسي والعنف الأسري ويلقون في الشوارع بسبب طلاق الأولياء.. وهناك من يقطعون عشرات الأميال تتهدّدهم الطريق كل صباح في سبيل اللحاق بالمدرسة.. وهناك..وهناك..وهناك..عشرات الأمثلة عن أطفال يدفعون ثمن أخطاء الكبار وقسوتهم..فيكبرون قبل الوقت وبغير وقت.. أما بعد: كل عام وأطفال الجزائر بخير..