أدخلت بن بلّة إلى العاصمة وألبسته البرنوس لكنّه ''تفرعن'' إرتأينا أن ندخل غمار الأسئلة من نافذة العلاقة التاريخية التي جمعته بالشخصية التاريخية الجدلية أحمد بن بلّة، ليفاجئنا عمّي ياسف، بهذا المدخل: '' بن بلّة•• لا أحبّه هذا الرجل••• أنا الذي جئت به من تونس ألبسته البرنوس وأدخلته إلى العاصمة في موكب يشبه ''الديفيلي دو مود''•• قال إنه لن يدخل الجزائر حتى يهدأ كلّ شيء في الوقت الذي تشابكت فيه الأمور وكثرت المطامع على السلطة، بين الولايات المتنازعة أو ما كان يعرف ب ''أزمة الولايات''•• أنا الذي ذهبت إلى الحدود التونسية، والتقيت ببومدين وبوتفليقة، وطمّنتهم على الوضع في العاصمة، ثم أمّنت لهم الدخول إليها، والإقامة في بيت شقيق زوجتي في القصبة•• كنت حينها من الذين رأوا في بن بلّة، رئيسا قادرا على قيادة الجزائر المستقلة، من منطلق الشرعية ''الشبابيّة'' التي اكتسبها•• يومها بدأ بن بلّة، في توزيع المسؤوليات والمناصب على المحيطين به، وكنت منهم، بدأ في توزيع المهام فنصّب عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للشباب والرياضة وعندما وصل إليّ نصّبني وزيرا للداخلية، لكنني أوقفته، قلت له إن المسؤولية ''ما تخرجش عليّ''، لم أقبل أن أدخل في وحل السياسة واقترحت ''احميدة عبد الرحمن'' الذي كان مقرّبا مني إبان الثورة للمنصب•• كان يتقن اللغات العربية والفرنسية، فعين بعد ذلك أول وزير للتعليم العالي والبحث العلمي•• بن بلّة للأسف اغترّ و''تفرعن''، رغم أنه لم يعش ظروف الحرب التي عاشها أبطال الثورة الحقيقيون، مثل عبّان رمضان الذي قاد ثورة لوحده، عبّان رمضان الذي مكث في السجن أكثر من 5 سنوات عندما كان بن بلة ''يتنعنع'' في مقاهي تونس• ويضع رجلا على رجل، في الوقت الذي كان الرصاص يزغرد فوق رؤوسنا في القصبة•• فلتسألوا بن بلّة، أين أموال صندوق التضامن وأين هي كل حليّ أمهاتنا وجداتنا اللواتي أفرغن سررهن في حِجر بن بلّة، بعد الاستقلال•• بن بلّة، أو دعني أسمّيه ''مزياني'' وهو اسمه الحقيقي الذي يبيّن أصوله المغربية، خان ثقتنا جميعا••'' بن مهيدي تنبّأ بأزمة ''الولاييزم'' خطّطتُ لاختطاف زوجة الجنرال ماسو بعد القبض على بن مهيدي كان العربي بن مهيدي مسؤولي المباشر، لكنني لم أكن أتلقّ من عنده أية أوامر، ولم أنفّذ عمليّة واحدة تحت إمرته، كل العمليات الفدائية التي شهدتها العاصمة وقتها، كانت من تخطيطي ومن تنفيذ رجال ونساء أحرار، وهبوا روحهم دون أن يطلبوا ثمن لذلك• بن مهيدي، كان يثق بقراراتي تمام الثقة ولم يتدخّل في قراراتي أبدا، حتى أنه تفاجأ كغيره بالعمليّات التي كان صداها يدوّي العاصمة والولايات الأخرى، خصوصا عمليّة ''قنابل الجميلات'' في 1957، والتي نفّذتها كل من زهرة ظريف وجميلة بوحيرد وسامية لخضاري، حتى أن القيادة المركزية اتّصلت بي لتستفسر عن مصدر العمليات تخوفا منها من أن يكون الحزب الاشتراكي هو عقل العملية•• بن مهيدي كان قائدا محنكا من طراز نادر، قال لي قبل القبض عليه بأيام ''أطلب من الله ألا أحيا بعد الاستقلال لكي لا أشهد الصراع الذي سيقع على السلطة''، بن مهيدي تنبّأ بأزمة الولايات أو ''الولاييزم''• عندما قامت سلطات الاحتلال بتوقيف بن مهيدي كنت ك''المهبول''، وفكرت حينها في اختطاف زوجة الجنرال ماسو، لكن للأسف لم يكن لدي رجالا وعدة كافية، خاصة أن العاصمة في تلك الفترة كانت تحت وطأة أكثر من 80 ألف جندي تم استقدامهم من الجبال المجاورة للمنطقة• لهذه الأسباب لم أُعدم•• في سياق الأجوبة التي استفاض ياسف في تفاصيلها، تحدّث صاحب مفاتيح القصبة، عن الفرنسية ''جيرمان نيريون'' بكل الحب والوفاء الذي يكنه لها وهي التي تستحق - حسبه - إطلاق اسمها على أهم شوارع الجزائر•• جيرمان، التي توفّيت قبل أشهر في مستشفى فرنسي بحضوره، ولم تحظ من قبل بأي تكريم جزائري، ساهمت - حسب سعدي - في إنقاذ 350 جزائري محكوم عليهم بالإعدام، بما فيهم ياسف سعدي، الذي ذكرها بعد أن سألناه ''لماذا لم يعدمك الفرنسيون مثلما أعدموا بن مهيدي؟'' يجيب سعدي بعد أن صمت برهة واستغفر الله ''•• مكتوب ربي الذي سخّر لنا جيرمان•• كانت ناشطة حقوقية، ضد الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، زارت الجزائر في نهاية الخمسينيات، فنصحتني المجاهدة زهرة ظريف، بمقابلتها وعرض ملف التعذيب في السجون الفرنسية الذي كنت قد جمعته ورتّبته سابقا، فلم أمانع الفكرة، اتّصلنا بها وأجّرنا لها شقّة بقلب العاصمة - منطقة تواجد فندق الأوراسي اليوم-، ثم ألبسنا لها ''الحايك'' وأدخلناها القصبة أين التقيتها وتجادلنا طويلا، قبل أن أقنعها بأننا قادرون على مسك زمام التفجيرات وإدارتها بالعاصمة، وأننا سنكفّ عن قتل الأبرياء إذا كفّ الفرنسيون عن تعذيب المحكوم عليهم بالإعدام في السجون الفرنسية•• جيرمان، وعدتنا بإبلاغ المسؤولين في باريس، وبالتحديد ''شارل ديغول'' الذي كانت على صلة بابنة أخيه•• وعدها ديغول بالتجاوب مع مطالبنا إذا أصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية•• وبالفعل، عندما تقلّد الحكم، أراد أن يستعرض شعبيته، فأمر بإسقاط عقوبة الإعدام عن 350 جزائريا وكنت - بالصدفة - منهم•• حوّلت إلى سجن الحرّاش، أين كنت أدير - عبر واسطة في السجن - كلّ العمليات الفدائية في العاصمة، وأنا مستلقي على ظهري•• بعد الاستقلال ظللت على علاقة طيبة ب'' جيرمان نيريون'' إلى آخر لحظات حياتها، وحضرت جنازتها جنبا إلى جنب مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي•• كرونولوجيا صراع الولايات إنفجر ''صراع الولايات'' علنيا في الاجتماع الذي عقده المجلس الوطني للثورة الجزائرية بطرابلس، والذي دام من 27 ماي إلى 4 جوان 1962 ففرزت القوى المتعادية• وفي 28 جوان 1962، عقدت الحكومة المؤقتة اجتماعا في تونس، حيث اتخذت قرارا على جانب كبير من الخطورة، إذ يقضي بحل هيئة الأركان وعزل قائدها بومدين ومساعديه منجلي وسليمان (فايد أحمد) • ولكن، فشل امتحان القوة هذا، فقد اصطف ''جيش الحدود'' وراء قائده بومدين، وأعلن ضباطه أنهم لن يأتمروا بأوامر الحكومة المؤقتة وسيواصلون العمل تحت أوامر قائد هيئة الأركان• وتشكلت مجموعتان متنازعتان: مجموعة تيزي وزو، بقيادة كريم بلقاسم ومحمد بوضياف، متحالفة مع الحكومة المؤقتة، وانضمت إليها الولاية الثالثة والرابعة والثانية إلى جانب فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني••الثانية، سميت بمجموعة تلمسان، وعلى رأسها أحمد بن بلة وهيئة الأركان والولايات الأولى والخامسة والسادسة، وقد تمكنت من دعم صفوفها بتحالفات ظرفية مع عباس فرحات وأحمد فرنسيس، وياسف سعدي الذي سهّل لهم مهمة الدخول إلى العاصمة•• بعد أن أعلن عن الاستقلال في 3 جويلية 1962، دخلت الحكومة المؤقتة واستقرت في الجزائر العاصمة، بمساعدة ياسف سعدي قائد المنطقة المستقلة بالعاصمة؛ حيث وفر لكل من بن بلة، بومدين، بوتفليقة وبن شريف، الأمان والمأوى في القصبة•• شكل أحمد بن بلة مكتبا سياسيا للجبهة في 22 جويلية، وزحف ''جيش الحدود'' على العاصمة واحتلها في 4 جويلية 1962، بعد معارك قصيرة سقط فيها عدد من القتلى••- رغم أن ياسف سعدي نفى لنا سقوط أي قتيل من جانبهم - رشدي ر/ سميرة ·إ / فريدة ·ل - تصوير:أمينة·خ