إن الدواء الناجع لقوى اليسار الوطني، الديمقراطي والثوري، لن يتمثل فقط في المشاركة السياسية على أهميتها، نظراً لاستفحال الداء، بل في إعادة بناء حركة شعبية تحررية تقدمية متنورة، بما يتطلب من جهود شاقة وضخمة، لأن السلفية القدرية، والدينية السياسية، والنيوليبرالية ومدرسة المحافظين الجدد، ستصل في النهاية إلى الجدار المسدود، لا تملك حلولاً لمشكلات المجتمع الثقافية والاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، فهي مغلقة على الجوهر الاستغلالي للنظام الرأسمالي، واقتصاد السوق على الصعيد القومي والدولي التابع وبسمة متوحشة، وبالتأكيد لن تتمكن من اللحاق بعجلة التاريخ المعاصر، وعلينا جميعاً فحص مآسي تجاربها، وما وصلت إليه من تدمير ذاتي وعدمية راهنة، في العالمين العربي والمسلم (العراق، السودان، الصومال، اليمن، الجزائر، المغرب، مصر••• أفغانستان، باكستان، أندونيسيا•••)• كما وصلت وستصل الليبرالية الجديدة (برامج ووصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) إلى الطريق المسدود في البلاد العربية• لننظر جميعاً إلى الإضرابات العمالية الكبرى، في مصر، المغرب، الجزائر••الخ، إلى إضرابات أساتذة الجامعات، الأطباء، القضاة الشاملة في أكثر من بلد عربي، احتجاجات المثقفين المناضلين دفاعاً عن الحريات والديمقراطية، هذه توحي لتحولات كبرى ضد ''زواج المتعة'' بين الأنظمة السلطوية والمال• ولكن هذه الظواهر الكبرى الاجتماعية والفكرية لا تجد في الواقع المحلي القطري والإقليمي الراهن الحركات الحزبية والنقابية التي تشكل ''الروافع والحوامل الداخلية'' لها، تجمعها وتقودها معاً نحو التحولات الديمقراطية التقدمية العميقة، كما تشهد هذه الظواهر ذاتها في أمريكا اللاتينية، آسيا، إفريقيا السمراء، بعد أن وصلت في أمريكا اللاتينية والهند وبلدان جنوب شرق آسيا إلى الطريق المسدود، وقاد هذا إلى التحولات اليسارية الكبرى (الطبقية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) والفكرية في أمريكا اللاتينية، والتحولات إلى يسار الوسط في الهند (الهندوسية، البوذية) وبالتحالف بين حزب المؤتمر (يسار وسط) وأحزاب اليسار الماركسي والاشتراكي الجذري الديمقراطي، والظواهر والتحركات الاجتماعية الجماهيرية الكبرى (العمالية والطلابية) في كثير من بلدان النمور الرأسمالية الآسيوية (المجموعة الأولى الأكثر تطوراً: كوريا الجنوبية، سنغافورة، تايوان، هونغ كونغ، والمجموعة الثانية: تايلاند، الفلبين، ماليزيا••)• أن تستطيع الآن أحزاب سياسية دينية مذهبية في عدد من البلدان العربية، تحقيق أرقام هامة في أية انتخابات مجتمعية وشعبية، رغم فقدانها للبرامج الاجتماعية والسياسية حد الإفلاس، فهذا تعبير عن يأس وإحباط قطاعات من الفقراء في المدينة والريف، وعاطلين عن العمل، ومهمشين من الطبقة الوسطى، وهو تعبير عن تصويت احتجاجي على سياسة برنامج السلطة الطبقية الحاكمة وحزب الحكم، وليس تعبيراً عن انحياز إيديولوجي واجتماعي لأحزاب وجماعات لا برنامج سياسي وطني لها لحل أزمات الوطن والمجتمع، لا برنامج لإشاعة الحريات والديمقراطية التعددية الفكرية والحزبية والنقابية، وصيانة حق الشعوب في تقرير مصيرها اليومي والمرحلي والإستراتيجي، ولا برنامج اجتماعي - اقتصادي لديها لحل مشكلات الفقر و البطالة و التهميش و المشكلات المزمنة الاثنية الطائفية و المذهبية و بناء العدالة الاجتماعية و إعادة توزيع ثروة المجتمع نتاج جهد طبقات الشعب بقوانين و روح العدالة بين قوى الإنتاج.