اخترنا وجهتنا هذه المرة أن تكون إلى عاصمة ''الحضنة'' مثلما تعرف بها مدينة المسيلة، نسبة للكرم الذي يحتضن زوارها وكل عابر يقصد بوابتها الصحراوية• حرارة مرتفعة وحركة منعدمة كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا عندما فتحت لنا مدينة المسيلة ذراعيها وهي ملتحفة بأوج صمتها الذي خيم على المنطقة، تحت درجة حرارة جاوزت ال .36 الحركة في هذا الوقت تحديدا شبه منعدمة، مما طبع على عاصمة الولاية جوا خانقا لمساء ماتت فيه جميع الأماكن العامة التي كان يفترض بها أن تحتضن أهل المدينة وزوارها الذين فضّلوا البقاء في البيت أمام المكيفات التي تخفف عنهم ولو قليلا ضغط الفراغ الذي يعانون منه• لا حدائق عمومية، والعطلة معناها البيت والأعراس مساء مدينة المسيلة لا يختلف عن صباحها، فأجواء الصمت مازالت تخيم على المكان وتقتل في النفس الشعور بالعطلة كما تخطط لها العائلات، وخاصة تلك التي يتعذر عليها الذهاب إلى البحر، ورغم محاولة بعض الباعة والتجار لحي ''وعواع المدني'' بخلق حركة تجارية بين محلاتهم، إلا أننا عايشنا أجواء ميتة تعكس الواقع المرير الذي يعاني منه سكان المدينة• وما لفت انتباهنا هو عدم وجود حدائق عامة فعلية تستقطب العائلات مع أطفالهم، فكما لاحظنا أثناء تجولنا فالبعض منها حوّل إلى مزابل وزوايا لرمي القمامة، وأخرى استعملت لأغراض أخرى وبذلك فقد خرجت عن نطاق إنجازها• وعبرت لنا إحدى السيدات التي قابلناها رفقة أطفالها بوسط المدينة عن استيائها من الوضع الذي حسبها لن يتغير ككل مرة، ''فالعطلة الصيفية لا تمثل لنا سوى البيت والأعراس، وغير ذلك لا يوجد شيء بالولاية، وكما ترين فنحن نحاول أن نغيّر جو البيت وروتينه بالخروج لنفس المكان دائما، وهو المحلات التجارية المتواجدة وسط المدينة''• مقاهي الأنترنت المكيفة•• المتنفس الوحيد للبعض من جهة أخرى ، فالأماكن المتوفرة بشكل ملحوظ بالمسيلة هي مقاهي الأنترنت التي تستقطب أغلب فئات الشباب على مختلف أعمارهم• فكما قال لنا نبيل صاحب محل ''سيبر كافي''، أن هذا هو المكان الوحيد الذي يقضي فيه معظم الشباب أوقاتهم، وخاصة فترة الظهيرة وما بعدها• ويضيف ''وين رايحة تروحي يا أختي في هذي السخانة •••ما كاين والو''• شاب آخر قابلناه هنا فضل هو الآخر التحليق في سماء أوروبا وأمريكا من مدينة المسيلة، وحسب قوله فإن قضاء ساعات أمام الشبكة العنكبوتية كفيلة برفع حصار عدم التكفل بهم من طرف الولاية• هكذا هي مدينة المسيلة التي لم نتوقف عندها كثيرا، وما عايشناه فيها كان سوى عينة صغيرة من يوميات طبع على واجهتها العزلة•• الحرمان والمعاناة وسط حرارة حرمت الكثير من التمتع بعطلتهم الصيفية وجعلتهم ينتظرون بفارغ الصبر الدخول الإجتماعي الذي حسب بعضهم أفضل بكثير مما هم عليه•