منذ 20 سنة تقريبا، قال الدكتور سعيد سعدي ''إن الإسلاميين صعلكوا السياسة''! وأعبت عليه شخصيا هذا التعبير، لأن ذهني وقتها ذهب إلى مظاهر الإسلاميين، من لحية وقميص وسراويل لوبيا وطاقيات، وغيرها من الصور التي كانت تميّز الشارع السياسي الإسلامي آنذاك! ولم تذهب أذهاننا إلى الصعلكة السياسية بمحتواها السياسي الفكري الأدائي للسياسة! وبالمقابل، ظهرت في صفوف التيار الوطني آنذاك، المندحر سياسيا والمصاب بالإفلاس النظامي، ما سميت بالدعوة إلى التجديد في الدولة بواسطة التيكنوقراط! أي الاعتماد على الأميين في السياسة لتولي مناصب المسؤولية• وهي دعوة لا تختلف في جوهرها عمّا قاله الدكتور سعدي من أن الإسلاميين ''صعلكوا السياسة''! لأن الدعوة إلى التيكنوقراطية هي دعوة إلى صعلكة السياسة بطريقة أخرى لا تختلف عن الصعلكة الإسلامية! وخلال 20 سنة من التعددية أو ممارسة صعلكة الحياة السياسية بالتيكنوقراط بالإسلاميين المزيفين•• تصحرت الحياة السياسية بالفعل وأصبح النظام السياسي في البلاد يشبه صعلوكا فاقدا لعقله يسير في الأسواق عاريا ولا يحس بأي خجل مما يفعل لأنه شبه فاقد للعقل أو حتى للحياة! لذلك ظهرت ظواهر مؤسفة، وكاريكاتورية في أروقة المؤسسات الدستورية للدولة! نتيجة للصعلكة سياسية! فبات الوزير لا يحمل صفة الوزير، وبات النائب لا يحمل من صفة النائب إلا الأجر الذي يأخذه، وبات زعيم الحزب ليس له من صفة الزعيم الحزبي سوى الاسم! بالأمس فقط وجدت أحد سائقي مسؤول سابق في الدولة يعضّ أصبعه ندما عندما سمع أن أجرة النائب في البرلمان قد بلغت في الشهر الواحد ما يتقاضاه هذا السائق في ثلاث سنوات! فقال لي هذا السائق: لقد عرض عليّ زعيم حزب إسلامي له باع في البرلمان أن أكون رأس قائمة في إحدى التشريعيات الفائتة ورفضت! وها أنذا أندم على رفضي! لأنني وجه ''مزيرية'' حين فضّلت السياقة بالوزير على العضوية في البرلمان! وليتني قبلت عرض زعيم الحزب السياسي•• ولو فعلت ذلك لخرجت من الغرقة! هكذا أصبحت النيابة في البرلمان مجرد شهرية وليست رسالة وهكذا تمت عملية ''صعلكة السياسة''! وفي صورة أخرى أشد قتامة، شاهدت أحد المسؤولين السابقين المشهورين يسأل صحفيا في حفل استقبال عن هوية وزير في الحكومة الحالية فقال له: من هذا؟ فأجابه الصحفي إنه وزير وزارة كذا•• فقال المسؤول مع الأسف لم نعد نعرف أسماء ووجوه وزرائنا لكثرة تغييرهم! فقلت له: إن وزراء اليوم بعضهم أصبح نكرات يعرفون بالإضافة إلى قطاعاتهم! قيادة البلاد أصبحت سهلة، لأن مؤسساتها الدستورية يتولى فيها النيابة نكرات، بالإضافة إلى الراتب، والحكومة بها وزراء لا يعرفهم الشعب! ومنذ مدة خطرت ببالي فكرة وهي أن أنظم مسابقة للقراء تكون مخصصة للصحافيين فقط في يوم حرية التعبير، تكون فيها الأسئلة خاصة بالصحافيين من نوع: أذكر أسماء أعضاء الحكومة وتاريخ توليهم المسؤوليات! ومن المؤكد أن لا نجد من يجيب على السؤال ويأخذ الجائزة؟! التصحر السياسي الذي أصاب البلاد سببه إذن صعلكة السياسة وتيكنوقراطية الحكومة هروبا من السياسة! ومن الغريب حقا أننا نقول بأن البلاد بها أحزاب وتمارس الديمقراطية، ولكن في نفس الوقت تلجأ إلى غير السياسيين في تولي المسؤوليات السياسية وهذا هو التصعلك السياسي بعينه والذي تحدث عنه الدكتور سعيد سعدي قبل 20 سنة! البلاد تخرج من الأزمة ومن الإرهاب عندما تخرج الصعلكة من الحكومة والبرلمان وتدخل السياسة مكانهما• لا وجود لمؤسسات دستورية بلا سياسة•• ولا وجود لسيادة الشعب على مؤسساته دون ممارسة السياسة وفق أحزاب حقيقية وليس دكاكين لتفريخ الصعاليك!